جميع الذين روجوا لمقولة أن السياسة السعودية هي سياسة تابعة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم رئيس النظام السوري ووزير خارجيته وعشرات المحللين السياسيين المناهضين للسياسة السعودية، أصيبوا بالخيبة بعد قرار المملكة رفضها لمقعدها المستحق في مجلس الأمن في 17 أكتوبر/تشرين أول الحالي، وإعلانها موقفا شجاعا فضحت فيه عقم الأداء السياسي لهذه المجلس، وفشله في حل المشكلات الأكثر أهمية بالنسبة للعالم اليوم، وهما قضية الشعب الفلسطيني والقضية السورية.
اختارت السعودية أن تبعث برسالة قوية إلى العالم تقول فيها إذا كان العالم غير مكترث بمصالحنا فعليه أن لا ينتظر منا أي تعاون في القضايا التي تهمه.
أول المصدومين من القرار السعودي هم الأمريكيون، فهو يذكرهم بقرار جريء سابق اتخذته السعودية عام 1973 حين قرر الملك فيصل قطع إمدادات النفط عن عدد من الدول الداعمة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع أن القرار السعودي ليس بنفس فاعلية قرار قطع إمدادات النفط، إلا أنه على المستوى النفسي يعطي إحساسا بأن السعوديين ضاقوا ذرعا بسياسات أوباما الانتهازية، وأنهم قد يقدمون على قرارات أكثر تأثيرا مثل عقد صفقات تسلح مع الصين كما فعلت تركيا، أو الإقدام على ضخ كميات من الأسلحة المتقدمة للثوار السوريين، مما يعني إفشال المخطط الأمريكي للإبقاء على هيكلية النظام القائم في سوريا.
السعوديون قالوها مرارا على لسان وزير الخارجية سعود الفيصل أن من واجب العالم تقديم السلاح للجيش السوري الحر للدفاع عن الشعب السوري، وبلغ الأمر وعلى لسان وزير الخارجية سعود الفيصل إلى اعتبار أن سوريا دولة محتلة من قبل إيران وحزب الله، مما يعطي الشرعية الكاملة لقوى المقاومة السورية المسلحة لدحر هذا الاحتلال، وهو ما يجيز حسب القانون الدولي دعم هذه المقاومة بالسلاح للتخلص من الاحتلال.
لم يستوعب الأمريكيون كل هذه الخطابات الواضحة، بل ضغطوا لوقف إمداد الثوار السوريين بالسلاح والمال، الشيء الذي يعني إضعاف الجيش السوري الحر وإتاحة الفرصة للمجموعات الإسلامية المتطرفة لتحل محله، مما يعني تحول سوريا إلى أفغانستان ثانية.
في 22 تشرين ثاني أكتوبر تسرّبت تقارير حول قيام بندر بن سلطان بتحذير سياسيين أوربيين من احتمال تحول كبير في العلاقات السعودية الأمريكية بسبب الموقف الأمريكي من الثورة السورية والغزل المتبادل بين إيران وأمريكا، والتهاون الذي تبديه أمريكا بشأن تطوير إيران لقدراتها النووية، وجاء سحب أوباما لتهديداته بضربة جوية للنظام السوري بمثابة تأكيد للسعوديين بأن أمريكا لديها أجندة خاصة تتجاوز المصالح السعودية، وقد يكون من بينها دعم التوجه الإيراني لتكون القوة المهيمنة في الشرق الأوسط
وإذا كانت تركيا قد فهمت نفس ما فهمته السعودية واتخذت قرارا استراتيجيا بالتزود بصواريخ صينية الصنع عبرت أمريكا عن استيائها من هذا القرار إلا أن السعودية لديها سياسة متأنية على الرغم من المفاجأة التي أحدثتها في مجلس الأمن ونقدها اللاذع غير المسبوق للأمم المتحدة في البيان الذي صدر في 18 أكتوبر تشرين الأول متهما مجلس الأمن بتبني معايير مزدوجة، وافتقاره لأي جهد حقيقي لحل القضية الفلسطينية منذ ستين عاما وفشله في تبني سياسة عملية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة التدمير الشامل، وأدانت صمت مجلس الأمن على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية لقتل شعبه.
جاء بيان وزارة الخارجية السعودية مؤكدا على مدى السخط الذي تشعر به القيادة السعودية من سلوك الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص القضية السورية، وكما نقلت وكالات الأنباء ونقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" فإن الأمير بندر بن سلطان الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، و رئيس الاستخبارات العام السعودية أبلغ مسؤولين أوربيين استياء المملكة من السياسة الأمريكية في المنطقة وحذر من أن السعودية لن تبقى معتمدة على السلاح الأمريكي، وأنه بصدد تجاوز السياسة الأمريكية باتجاه تقديم أسلحة متطورة للجيش السوري الحر وهو ما تتحفظ عليه أمريكا بذريعة وجود مجموعات إسلامية متطرفة قد يصل إليها هذا السلاح.
وقد زاد من شكوك القيادة السعودية في السياسة الأمريكية أن أمريكا لم تصغ للمطالب السعودية في ثلاثة مسائل هي الأكثر أهمية بالنسبة للسعوديين، وتشكل كل منها ليس خطرا استراتيجيا على المملكة فقط، بل تهدد أمنها القومي والوطني وهي القضية البحرينية والقضية السورية والسلاح النووي الإيراني.
ويبدو أن السعودية مقدمة على خطوات أكثر وضوحا فيما يخص القضية السورية على وجه الخصوص، وربما هو يوم قريب ذلك الذي تعلن فيه المملكة العربية السعودية جهارا بأنها تقدم أسلحة متطورة للجيش السوري الحر، في ظل عدم رضا أمريكي، وربما إفشالا لمخططها بإبقاء النظام السوري لأطول فترة ممكنة، بهدف استنزاف القوى المقاتلة على الأرض، فالسعوديون يعرفون أنه من دون دعم خارجي للجيش السوري الحر فإن النظام المدعوم بالسلاح والمال والرجال من إيران وروسيا والعراق وحزب الله سيستمر في قتل السوريين وتهجيرهم في سياسة واضحة لإفراغ البلاد من سكانها وتمكين إيران من السيطرة على المنطقة الشيء الذي يشكل خطرا وجوديا على المملكة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية