أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل أضاع السوريون ثورتهم وتحولت إلى مجموعة أكاذيب؟!... أسامة المصري

تدور المعارك في سوريا بشكل يومي وفي جميع جبهاتها من جنوبها إلى شمالها فشرقها مرورا بوسطها، المعارك تبدأ بأسماء كبيرة وتحت عناوين عريضة لكن سرعان ما تغيب دون معرفة نتائجها، تحرير معسكر "وادي الضيف" في محافظة ادلب، أصبح مسلسلا طويلا من المعارك والإعلانات عن التحرير، وقائمة تطول من الكتائب المشاركة فيها، كان آخر حلقاته قبل أيام.

معركة "العاديات ضبحا" للسيطرة على معامل الدفاع والتي قيل إن الكتائب المقاتلة أعدت لها تحالفا كبيرا من القوات الثائرة لقطع الطريق عن حلب آخر، والسيطرة على أهم معاقل النظام في الشمال السوري، لكنها انتهت واستعاد النظام "خناصر"، بينما أهالي السفيرة يتهمون ثوار حلب بالتخلي عنهم وتركهم يواجهون قوات الأسد وحيدين، بعد أن تدمرت أكثر من عشر قرى بشكل كامل، ويناشدون الجميع لمؤازرتهم.

حمص والتي تعرضت لأشرس هجمات من قوات الأسد منذ انطلاق الثورة، وخسر الثوار بابا عمرو، والقصير تحت ضغط جحافل حزب الله أصبحت حيزا مكانيا يضيق على مقاتليها وسكانها، بسبب الجوع والقصف المستمر، أطلق ثوار مناطقها الشمالية وحماة "معركة قادمون" التي يخوضونها على أطراف الصحراء، ويعلنون عن تحرير قرى هنا وهناك دون أن يشعر سكان حمص أن أحدا ما يساندهم أو هبَّ لنجدتهم، ومازالت حمص تصرخ وتستغيث دون مجيب والقادمون لا يصلون ويخشى أنهم لن يصلوا أبدا، ومن ثم بدؤوا معركة أخرى بعنوان "صب النيران" واستهدفوا مصفاة البترول فصب النظام غضبه على أحياء كانت آمنة.

معركة "الساحل" التي لم يستفد منها أحد سوى النظام واستطاع استغلالها إعلاميا وادعى أن المتشددين قتلوا وخطفوا الأطفال والنساء من القرى العلوية، حتى ذهب الخيال ببثينة شعبان لتقول إن أطفال الغوطة الذين قتلهم الأسد بالكيماوي هم من اختطفتهم الجماعات المسلحة من الساحل وقتلتهم بالكيماوي هناك.
ثوار درعا يعلنون عن معاركهم كل يوم وتتحرر المنطقة تلو الأخرى ويعود النظام إليها أحيانا، والمحصلة أراض مقطعة الأوصال ومعاناة وقصف يحصد أرواح الأطفال، ومازالت قوات الأسد تسيطر على مناطق واسعة فيها ولديها مواقع عسكرية تتراوح بين الفرق والألوية القوية تجثم على أراضي حوران مهد الثورة.
المنطقة الشرقية والتي أوجعت النظام في ثورتها في مناطق الأكراد والعرب تحولت إلى معارك بين حزب العمال الكردستاني وجبهة النصرة مضافا إليها تنظيم عملاء إيران المسمى "داعش". والتي آخر أخبارها أنها تريد تحرير دير الزور من الجيش الحر.

وفي مدينة الرقة التي أخلتها عصابات الأسد لـ"داعش" وكانت تؤوي حوالي نصف مليون نازح سوري فر معظمهم منها إلى بلاد الله الواسعة أصبح سكانها يعانون من حكم أُجَراء ايران المتشددين بدل الأجير الطائفي السابق فيما بدأت الصراعات بين أطرافها والمتحالفين معها بسبب النفوذ والغنائم.
ثوار حلب سيطروا على المدينة وكفى الله المؤمنين شر القتال بينما "داعش" التي لم يكن لها أي وجود قبل ستة أشهر في سوريا اخترقت حلب ووصلت إلى "اعزاز" وهناك أقامت إمارتها الجديدة وسيطرت على معابر حدودية مع تركيا.

كتائب الغوطة الشرقية والتي جسدت الدور الحقيقي للبطولة (في مسلسل باب الحارة الواقعي) وواجهوا النظام ودكوا معاقله وسيطروا على المطارات ونزعوا مظلة دمشق الصاروخية، أسست جيش الإسلام مؤخرا باجتماع خمسين فصيلا عسكريا لم يذكر في بيان تأسيسه سوريا أو ثورتها، فيما يؤكد هذا الجيش بعد أيام على احتكاره لإدارة المناطق المحررة وأمر بحل المجالس المحلية في مدينة دوما. 

أما سياسيا، فالثورة التي أفرزت لجان التنسيق ومازال الكثير من قادتها يتحدثون باسمها لم تعد تنسق في شيء ولم تعد موجودة سوى على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن ننسى الهيئة العامة للثورة أو صناع القرار أو المجالس المحلية المدنية أو اي هيئات أخرى منها حقيقي وآخر لا أحد يعلم عنه شيئا، إلى المجلس الوطني الذي أفسد الثورة والائتلاف الذي أسقطها في جنيف قبل عقده، إلى الحكومة التي لم ترَ النور بعد، وربما سلم وزراؤها بالحل السلمي بشروط النظام وحلفائه، بالتوبة والخضوع والاعتراف بكل جرائمهم ودفع التعويضات له من قبل دول الخليج، وتحولت سوريا وثورتها إلى مسميات تضيع في اليوم التالي.

الثورة السورية حقيقة وملايين السوريين أصبحوا لاجئين في دول الجوار والعالم والثورة انتقلت إلى أيدي المقاتلين الذي يحملون أرواحهم على أكفهم يقاتلون بشراسة ويصنعون المعجزات في مواجهة آلة القتل الدولية الممثلة بقوات الأسد، كل المعارك حقيقية وكل الشهداء من الأبطال حقيقيون ولديهم أطفال وأسر وأمهات وآباء، ومئات الآلاف من المعتقلين يقبعون في السجون وأكثر من 150 ألف من الشهداء، وسوريا كلها تعرضت للدمار وكل هذا حقيقي.

لكن للأسف الغائب في هذه الثورة هو حقيقة المسميات التي أفرزتها، فالجيش الحر ليس جيشا وقادته لا يلتقون أبدا، والكتائب والألوية الإسلامية وغيرها يصعب على موسوعة غينس إحصاؤها باتت متنافسة على مصالح قادتها، أما الفرق العسكرية والجيوش التي تشكلت فلا نسمع عن معاركها، والتحالفات التي تنشأ سرعان ما تنتهي باتهامات كالخيانة والعمالة والسرقة وتسقطها قسمة الغنائم.

سوريا باتت مقطعة الأوصال فلا مدينة واحدة أو منطقة محررة بشكل كامل وتعيش بأمان فالقنابل والرصاص يطال الجميع، وأصبحت سوريا مقسمة بين النظام وهؤلاء الثوار، وما بينهما من "داعش" و"النصرة" و"الكردستاني"، فهل أضاع السوريون ثورتهم أم ما زال هناك أمل بأن يدرك الوطنيون من أبنائها حجم الأخطار المحدقة بها ويبدأ تصحيح المسار بدون المزيد من الإعلانات والمسميات قبل فوات الأوان.

(126)    هل أعجبتك المقالة (124)

سمير

2013-10-26

للاسف هذا هو الحال.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي