خلال فترة تشردي من مدينة لأخرى ومن عاصمة لعاصمة، لم أشعر بالانتماء لأي مدينة عربية كانت مهما بلغ التقارب بينها وبين دمشق أومدن سوريا كافة، دوماً كان الانتماء يشدني إلى دمشق، وما زلت أحلم بقبر فيها.
هذا الحلم ...هذه الأمنية في أن تكون نهاية رحلتي في الحياة، في مقبرة دمشقية، يعني الانتماء، ليس للقبر أو الموت إلا أن الانتماء يعني المكان الذي ترغب أن يكون قبرك فيه ...فالوطن هو الانتماء هو الرغبة في أن تنتهي هنا.
خلال زياراتي لدول الخليج العربي وغيرها من الأقطار العربية، تأكد مفهومي للانتماء، الوطن ليس المكان الذي تملك فيه بيتا، وإنما المكان الذي تحلم أن تملك فيه قبرا.
المهاجرون السوريون وحتى الأجيال الأولى منهم، ورغم أن قسما كبيرا تملّك عقارات وأراض في دول تمتد على مساحة الكرة الأرضية، إلا أن الكلمة الأقرب إلى ألسنتهم حين يدور الحديث عن الوطن، أن يقول أحدهم: (لا أرغب إلا في قطعة قبر صغيرة في سوريا) أو (لا أريد أن أدفن إلا في قريتي الفلانية).
إذاً ...الوطن ليس المكان الذي تملك فيه عملا وعقارات وسيارات ...الوطن هو المكان الذي تملك فيه قبرا، من هنا أرى أنه بات من الملح فعلا إعادة قراءة مفهوم الوطن ومفهوم الحنين ومفهوم الانتماء، وأرجو ألا يفهم أحد أني أدعو وأشجع على ثقافة الموت أو أني أقصد بالانتماء إلى الوطن، أن أقول أنه والموت سواء ...أبدا ...وإنما أرغب فعلا في أن يشحذ المفكرون وقامات اللغة، هممهم وأفكارهم لوضع مفهوم جديد للوطن بعيدا عن لغة الخطابات التي اعتدناها.
ربما يكون الحديث هنا رومانسيا نوعا ما ..أو ربما هو مغرق في العاطفة، ولكننا أحوج ما نكون للمشاعر في هذه الأوقات العصيبة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية