أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

منظرو الهزيمة

تعود كثير منا على الأحداث الكبيرة التي تضج بها شاشات الفضائيات حتى أصبحت معيار التطور أو التغير في المشهد ومعيار القياس لما هو قادم من الأمور. وربما تعود معظمنا في السنة الأخيرة على متابعة أخبار المعارضة السورية، فإن وجدنا أخبارا دسمة تتعلق بالمجلس والائتلاف شعرنا بأن ثمة ما يلوح بالأفق من أحداث قادمة لها تأثيرها على مسار الثورة السورية. فإن لم نجد ما يطغى على المشهد بشكل كامل أخذ كل منا بتفسير الأخبار والقصص والإشاعات التي تصل إلى علمه، وبالتالي المسارات والمآلات القادمة بالطريقة التي تعكس فهمه أو تمنياته وأحلامه أو قلقه ومخاوفه.

فقد يرى أحدهم أن المتغيرات على الساحة الداخلية تسير بخطى سريعة في عكس مصلحة الثورة، وضد هدفها الأساسي في التغيير السياسي الإيجابي في سوريا. فالنظام بالنسبة للبعض لم يستطع الخروج من المأزق الذي تسبب فيه هو ذاته عندما استعمل السلاح الكيماوي لقتل المدنيين في الغوطة الشرقية فحسب، بل وضع نفسه على طريق إعادة الاعتبار والتأهيل بالنسبة لبعض المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. ويرى هؤلاء أن النفق الطويل الذي أقحمت الثورة فيه، قد أتعب السوريين فباتوا -في قسم كبير منهم– غير ميالين إلى الثورة المسلحة، إلى درجة أصبحنا نسمع فيها بعض المقولات ونرددها كحقائق دامغة، من قبيل فقدان الجيش الحر ومناصريه للحاضنة الشعبية وتحول قسم كبير منهم عن تأييد الثورة سعياً للهدوء والاستقرار، مهما كان شكل القائمين على هذا الاستقرار حتى ولو كان هو النظام نفسه. وأن الانقسامات المخزية للمعارضة السورية بجناحيها العسكري والسياسي قد دفنت الآمال في الخلاص.

وقد نسمع أيضاً أننا نشهد جزراً واسعاً في تأييد كثير من الدول للثورة السورية، في حين ان استعمال الكيماوي لقتل أطفالنا ومدنيينا كان قمة الإجرام الأسدي الذي ظن أكثرنا بأنه سيستدعي رد فعل دولي بحجم الجريمة يزلزل النظام أو ينهي وجوده بالكامل. فهاهو الوزير كيري يمتدح التزام الأسد المجرم بتنفيذ تعهداته، وها هي إيران الدولة المعتدية تحصد ثمار لعبها بالورقة السورية في مفاوضاتها مع الغرب فتفتح أبوابا جديدة من الاعتراف والإشادة إلى حد إعادة التبادل الدبلوماسي في لندن وطهران على مستوى القائمين بالأعمال.
ومن جانب آخر تزداد معاناة أهلنا في جنبات دمشق المحاصرة بنيران الأسد، في ظل لا مبالاة قاطني دمشق في الأحياء الملاصقة والقريبة لتلك المحاصرة، حتى بلغ عدد وفيات الأطفال نتيجة الجوع في بقعة واحدة أكثر من 10 شهداء أطفال.

بينما قد يقرأ الآخرون الأحداث بصورة مختلفة تماماً، فيقولون أن الكتائب المقاتلة تحرز تقدماً تلو الآخر وتزيد من رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بصورة واضحة حيث يمكن القول بأن أكثر من 60 بالمئة من حدود سوريا قد خرج بالفعل عن سيطرة نظام القتل الأسدي. وبأن مجرمي النظام ينالون جزاءهم العادل الواحد تلو الآخر، وما المجرم "جامع جامع" إلا أحد هؤلاء. ويرون أيضاً أن المجرم بشار الأسد لم يعد يقوى على التحرك حتى في الرقعة المحصورة بجزء صغير من دمشق إلا بصعوبة بالغة وبإجراءات أمنية مكثفة ومعقدة وبإخراج مسرحي سخيف، ففي حين أوقف الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت ألبس الأمن السوري عشرات الشبيحة وأعضاء الحرس الجمهوري الجلاليب وأدخلوهم في مشهد صلاة العيد في مشهد مضحك ومبك في آن معاً. مضحك لأن المسرحية كانت ذات اخراج سيء جداً، فقد تم اكتشاف الأمر من اللحظات الأولى للحلقة. ومبك لأن المجرم بشار ما زال يغذي من يقف إلى جانبه من الفئة التائهة للجمهور الكثروي بصور ومواقف مفضوحة الكذب، وما زالوا هم يدمنونها ويدمنون نفاقها.

الحقيقة يجب أن لا تضيع أبدا في القراءات الذاتية الخاطئة، فهذا الشعب الصابر قد قاوم الرصاص بصدور أبنائه العارية في الشهور الأولى من الثورة، واستطاع جيشه الحر أن يصمد ويسمو على قلة العتاد وأن يحرر الأرض ويسقط الطائرات ويجبر عصابات الأسد على التراجع والانسحاب، بعد أن ترك في معركته وحيداً.
يجب أن نتذكر دوماً بأن شباب الثورة بمسلحيهم وعزلهم قد أنجزوا هذا الصمود الأسطوري أمام عصابات تحمل حقداً أسود تخمر عبر مئات السنين.. حقد امتزج مع عشق الدم والخرافات الباطلة، صمدوا ويصمدون أمام جيش يملك أكثر من 4 آلاف دبابة وآلاف قطع المدفعية ومئات الطائرات والمعدات الثقيلة بل والصواريخ ذاتية الدفع وأسلحة الدمار الشامل، التي لم يتورع النظام من استعمالها عشرات المرات.

يستحق منا هذا الشعب أن نشيد بصموده وصبره ومصابرته وجلده. يستحق منا شعب سوريا البطل أن نحني الهامات أمام تضحياته وبسالته، وأن نسعى لأن يتوج معاناته بالتغيير المنشود الذي سينعم به أبناء سوريا بالعمل العسكري والسياسي في آن معاً.. لا أن نغرق في فلسفة التشاؤم وهدم المعنويات.

(142)    هل أعجبتك المقالة (131)

د. محمد غريب

2013-10-23

د. حافظ بمقالاته الرائعة هو أحد الخبراء المهمين للشعب السوري حيث يعبر مثل هذا المقال عن عزيمة حقيقية يتحلى بها السوريون، بل عليهم أن يتخذوا مثل هذه المقالات بوصلة لتصحيح أرائهم وأفكارهم وشق الطريق الصعب والمُدَمّى في سبيل حريتنا وكرامتنا.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي