أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سؤال وجواب .... مرهف مينو

 

 

بدأ الأمر  برعشة أصابت دماغي لتنتقل كشحنة كهرباء لتلمس أطرافي وتهزني هزة خفيفة ... لم أعرف التسمية العلمية للأمر .

أخبرني البعض أنه تغير كيميائي يصيب الجسم في فترة معينة أثناء النهار ليعلن الجسد فيه انتهاء فترة الركود وبدء مرحلة جديدة من النشاط .

-         ولكن ... أعتقد , قرأت عن الموضوع هي تحدث ليلا ...

-         نعم ليلا وأثناء النوم أيضا .

-         إذا .....

-         إذا أنت لاتنام , هذا هو السبب .

وضع طبيبي سماعته الفضية , نظر إلي وكرسي الجلد يحتضنه , جال متفحصا صلعتي السمراء نزولا إلى أنفي الكبير ليملأ كرشي مساحة عينيه الصغيرتين .

-         أنت تحتاج للنوم , فقط .

نظرت حولي , صور جسم الإنسان الحنطية والزهرية تنير جدران عيادته الصفراء ... صور أطفال , صور أطفال سعداء هنا وهناك ,شعورهم الصفراء والبنية مسترسلة ضاحكة تضم رؤوسهم الصغيرة الساذجة .

-         إذا دكتور ... اكتب لي وصفة .

-         وهل أنت مريض ؟ ... فقط تحتاج للنوم .

-         والرعشة ؟

ابتسم كأبطال أفلام الكرتون :

-         ... قلت الرعشة هي من قلة النوم ... اذهب للبيت ونم .

أشعلت سيجارتي الوحيدة المتبقية , نظر إلي باستغراب ... تناولها وأطفئها :

-         وتدخن ... وتشرب القهوة ... وأربع علب كل يوم ... ولاتنام , وتقرأ كل الجرائد ... وتتابع نشرات الأخبار كلها , لا تأكل بانتظام .. تأكل أي شيء .

-         هل اتصل بك .

زم شفتيه , ترك كرسيه واقترب مني :

-         نعم ... البارحة اتصل بي ابنك وأخبرني , يارجل مابك , كحول وسجائر وسهر .

-         كحول وسجائر وسهر ... اها ... نفس العبارة تتردد .

-         نعم نفس العبارة ... اقتربت من الخمسين ... والكل قلق من أسلوب حياتك , انت تنتحر ولكن ببطء .

-         والنساء ؟ ألم يخبرك عن النساء ؟

تراجع وهو يضحك , اقترب مني هامسا :

-         أنا أعرف عن نسائك أكثر منه .

لم أكن مستقرا دائما في حياتي الأخرى الحياة التي لها علاقة بالذكورة ... كنت مقلب المزاج , كل يوم مع امرأة , مازالت كلمات عمي الأعزب تجتاحني ..

" كن كوردة .. يشتمك الجميع " كان عمي صبري قصيرا بكرش عكازه الخيزران البني اللامع يتبعه أينما ذهب , كنت أراه من بعيد مقبلا من أول الشارع وأبتسم كان يشبه نقطة الماء ولكن بالمقلوب .

ورثت منه الكرش وعن أبي حب النساء ومن أمي رقة القلب .

                      *********************************

-         إذاً ؟ .....

سألني الطبيب وهو ينسحب متناولا المعطف المعلق .

لم أعرف إجابة لـ " إذاً " تلك ... ابتسمت له ملوحا بيدي ليكف عنها .

-         تذهب معي للغداء ؟

اجاب وهو يزيل شيئا غير موجود من على المعطف :

-         لا اليوم ... مخصص للبيت ... لا عمليات ولا زبائن ...

         *********************************

عصام هو الوحيد المقرب لي من أصدقائي , استطاع كتم انفاسه حتى وصل كلية الطب , تزوج ابنة رجل ثري , وأنجب منها أطفالا يشبهون أطفال الدعايات وخصوصا تلك التي لها علاقة بالحليب .

بعضنا تابع في الهندسة واللغة .. و ... وبعضنا تحول ليرث مهنة ابيه .

كنت الوحيد الذي امتهن القلم والورق كحرفة ... والنساء والقهوة كحبر .

كصخرة جوفاء صماء تحركت سيارتي لتخترق زحام الشارع , وتعبر محيط البشر , صافرات الشرطة .. ودخان السيارات والوقوف المتكرر لم يستطع تحويل انتباهي عن رنين هاتفي الجوال :

-          أنا على الطريق ... نتكلم عندما أصل .

ابني الوحيد دائم القلق علي وعلى صحتي , زوجته التي تشبه اللعبة تحتضنني وتجلسني على الكرسي المنتفخ الوحيد في المنزل , تمزح وتضحك وتمارس ألعابها الكلامية أمامي ...

-         اليوم الغداء هنا .. لن تتحرك .

ترقص حولي كفراشة , وهي تعطيني فنجان القهوة وتقرب مني منفضة السجائر .

نظرت بطرف عيني لأجد معتز وهو يرميها بنظرة مؤنبة مهددة , تلك النظرة التي اعتدت عليها كلما أشعلت سيجارة أو أفرطت في شرب المنبهات , أو عندما يضبطني أقرأ الساعة الرابعة صباحا .

معتز دائم الصمت كأمه , لا يتكلم إلا فيما ندر يستخدم طريقتها في التعبير "وجهه"

-         إذاً ؟ ....

قالها وهو يصالب يديه فوق صدره ويرميني بنظرات باردة .

                    *********************************

كل أحرف الجر وعلامات الاستفهام وأحيانا التعجب ... كانت أخف من تلك " الاذاً " , تربكني أقف أمامها مذعورا متأهبا متوقعا مستنفرا .

إذاً تحمل تلك الشحنة الكهربائية التي تجعلني متوترا وقلقا منها , أبحث دائما عن أجوبة لم  يسألنيها أحد لتوقعي رؤيتها , تضعني في خانة الباحث الدائم بين طيات الأحرف والكلمات علّي أجد شيئا يقنعها , يرضي استهلاكها الدائم لأجوبتي .

أتخيلها عبقرية تسخر مني .... تمد لسانها ساخرة من كل معارفي , شامته بتجاربي , تدهس أجوبتي التي لا ترضيها .... باحثة بين تلافيف دماغي عن بقية أجوبة أحجبها عنها .

كنت كلما تذكرتها أنتفض وأحس بتلك القشعريرة التي لا تنتاب الأغبياء سائليها .

 

 

 

(109)    هل أعجبتك المقالة (123)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي