انتُقد الخطاب الإعلامي للنظام السوري كثيراً كونه يستخدم لغة خشبيةً لا يمكن أن تُقنع أحداً, لكن هدف النظام من خطابه الإعلامي لم يكن الداخل السوري أو حتى المحيط العربي, وإنما كان خطابه موجهاً للغرب لحلفائه في المقام الأولى, لذلك كانت أولى خطواته في هذا المجال توظيف مراكز إعلامية دولية دفع لها عشرات الملايين من الدولارات تقدم له النصائح في كيفية إنشاء الخطاب الإعلامي المناسب, واختيار الكلمات ذات الوقع المؤثر في الغرب, واستطاع الوصول إلى أهم المؤسسات الإعلامية والكبر والإعلاميين ينشرون له كل ما يمكنه من إقناع الغرب بصدق قضيته, لذلك كان تركيزه الأساسي منذ أول خطاب للأسد في 30-03 -2011 على التكفيريين والجهاديين, وحماية الأقليات, والزلزال الذي سيصيب المنطقة ولا يتوقف عند سوريا , وهو الأمر الذي يسبب أكبر القلق للغرب ومن خلفهما روسيا والصين, وحافظ على هذا النهج بشكل متصاعد مع الاستفادة القصوى من ظهور توابع القاعدة في سوريا.
بدأ الإعلام الثوري في سورية مع انطلاق الثورة بمبادرات فردية أو على شكل مجموعات صغيرة أغلبها غير محترف لكنها متحمس- بعد تضييق النظام على وسائل الإعلام العربية والدولية- تتمثل مهمتها في نشر الحدث السوري وإيصاله إلى العالم. ثم تشكلت التنسيقيات المختلفة والصفحات الأساسية على مواقع التواصل الاجتماعي وتطور أداؤها في التأثير في الثورة مثل التصويت على أيام الجمع ونشر المقلات , والاستفتاءات.
بعد تسلُح الثورة وظهور الأجندات الغريبة عن أهداف الثورة وتعدد الولاءات, تحول الإعلام الثوري إلى اتجاهات فئوية, فرعية تستجدي الدعم والتدخل الخارجي, وهذا ما أفقدها الكثير من القيمة والمصداقية.
كان خطاب المعارضة السياسية السورية دائما متأخراً عن تطورات الثورة وتابعاً,بدل أن يكون موجهاً ورافعاً لها.
فقد قصَر الممثل السياسي للمعارضة في توظيف مؤسسات إعلامية دولية تقدم له النصيحة في طريقة تعاطيه مع الإعلام, وكيفية توجيهه لأصحاب المصلحة والتأثير في الثورة السورية, وتمكينه من مواجهة حملة النظام الإعلامية في الغرب والعمل على إفشالها, وتغيير القناعات التي صنعها النظام .
لم يستطيع القيام بحملة علاقات عامة تتوجه إلى الرأي العام الغربي ومراكز صنع القرار, ومجموعات الضغط, و إلى كتاب ومفكرين مرموقين لشرح قضيتهم وأهدافها وكسبهم إلى جانبهم, وإزالة كل غموض عنها وخاصة جانب الحركات الجهادية.
لم يقم المعارضون السوريون المقيمون في الغرب بالكتابة باللغة التي يفهمها أهل تلك البلاد أو الظهور الإعلامي الكافي في وسائلهم الإعلامية وشرح موقف الثورة وطبيعتها وأهدافها ورؤيتها للمستقبل, ومن ثم آلام الشعب السوري, كانت لقاءاتهم وكتاباتهم في أغلبها باللغة العربية وموجهة إلى السوريين أو العرب .
بل درج بعض قيادات المعارضة على لازمة معينة في كل ظهور إعلامي له( على مبدأ اكسري بيضة) باستخدام عبارتي ( زودونا بالسلاح , وأقيموا منطقة حظر جوي) وهذان الطلبان يأتيان كنيجة لخطابٍ إعلامي مقنع ولا يمكن أن يكونا أساس الخطاب الإعلامي وجوهره.
لم يقم من تنطَع لتمثيل الثورة السورية سياسياً بالدور الإعلامي المطلوب منه, كان الخطاب شعاراتياً, يخاطب الغرب باللغة نفسها التي يخاطب بها السوريين, في استثارة المشاعر من هول الدمار والألم الذي يعانيه السوريون, وشلال الدماء الجاري في سوريا, وهذه -من التجارب- لا تحرك الغرب, قد تؤثر بعض التأثير العاطفي عند الرأي العام, لكنها لا توجه السياسة الدولية, ما يحرك الغرب خطاب يحدد أهداف الثورة السورية, ورؤية الثوار لمستقبل سوريا, وكيف ستكون عليه سياستها الخارجية, وتحالفاتها الدولية والإقليمية, وموقفه من الحركات الجهادية التكفيرية, ومن الأقليات, وما موقع مصالح الدول ذات المصلحة والتأثير في الأزمة السورية من رؤية المعارضة لمستقبل سوريا.
الخطاب الإعلامي للمعارضة السورية ... عمار ياسر الحمد

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية