أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

صوت "المسلمين" في الانتخابات الأمريكية .. هشام منور

على الرغم من تشكيل "المسلمين" الأمريكيين لقوة انتخابية معتبرة لا يستهان بها من حيث العدد والنوعية، وتعليق العديد من البلدان الإسلامية آمالها على جالياتها الإسلامية المنتشرة في الولايات المتحدة، شأنها شأن العديد من دول العالم (اليونان وإيطاليا على سبيل المثال)، فإن تاريخ الانتخابات الأمريكية لم يسجل، حتى الآن، حضوراً مؤثراً لتلك القوة الانتخابية المهملة نسبياً والمسقطة عملياً من حسابات المرشحين الأمريكيين.
ويبدو أن لتوزع انتماءات المسلمين الأمريكيين والصراعات المذهبية والعرقية التي حملوها معهم إلى الولايات المتحدة أثراً كبيراً في تفتيت قوتهم الانتخابية وإهمال نشاطهم السياسي الطويل والمهم، وكثرة المشاكل التي تعاني منها المجموعة المسلمة في الولايات المتحدة في ظل تنصيبهم كهدف استراتيجي لشعارات المرشحين الأمريكيين، المعتدلين منهم والمتطرفين على حد سواء.
فالعداء لما يسمى في الولايات المتحدة "بالفاشية الإسلامية" و"المتطرفين الإسلاميين" يكاد يخيم على صورة المسلمين في أمريكا، والهجوم على الإسلام والجالية المسلمة يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام الأمريكية وأخرى عاطفية للناخب الأمريكي الجاهل تقريباً بحقائق هذا الدين وشرائعه وعقائده. فضلاً عن اعتبار المجتمع الأمريكي المواطنين الأمريكيين بمثابة "ممثل" لشعوب العالم الإسلامي التي لا تتوانى عن إعلان عدائه للسياسات الأمريكية وأسلوب تعاطيها مع المسلمين وبلدانهم حول العالم.
ورغم أن السؤال عن المعتقد الديني يكاد يكون ممنوعاً في الولايات المتحدة، وهو الحق المكفول دستورياً، إلا أن جدلاً واسعاً حول أعداد المسلمين في أمريكا بين المنظمات الإسلامية واليهودية لا يزال يدور منذ عدة سنوات. فالمنظمات الإسلامية تقدر عدد المسلمين الأمريكيين بحوالي العشرة ملايين مسلم، ويشكل هذا الرقم ضعف عدد اليهود في أمريكا المحسوب بدقة 5.6 مليون نسمة. بينما تشير بعض التقديرات المحايدة إلى أن عددهم يتراوح بين 4 إلى 7 ملايين نسمة من إجمالي عدد سكان الولايات المتحدة والبالغ 300 مليون نسمة.
ويمثل المسلمون من أصل إفريقي في أمريكا 30 ـ 40% من عدد المسلمين، فيما يمثل المسلمون من أصل آسيوي 25ـ30% من عدد المسلمين، ويشكل العرب 25ـ30% من عدد المسلمين الأمريكيين بحسب إحصاءات نشرتها مجلة (تايم) والمعهد العربي الأمريكي. ويتركز المسلمون الأمريكيون في 4 ولايات هي كاليفورنيا، وتضم (19 %)، ونيويورك (13%)، وتكساس (9%) وفرجينيا (7%) وميريلاند (5%).
ولعل العامل الأهم في ضعف تأثير الصوت المسلم في الانتخابات الأمريكية يعود إلى تشرذمه الداخلي ذاتياً وعدم حسم الكتلة الأكبر منه لخياره في تأييد مرشحي أحد الحزبين الأمريكيين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي).

فقد أظهرت نتائج استطلاع أجراه (مركز واشنطن الإسلامي لحقوق الإنسان) بتوجيه من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) ونشرت نتائجه مؤخراً أن أكثر من نصف الناخبين المسلمين لا يزالون في مرحلة تقييم واستكشاف المرشحين من كلا الحزبين، وأنهم لم يحسموا بعد اختيارهم وبالتالي صوتهم الانتخابي.
ورغم النشاط السياسي الواضح للجالية المسلمة، فإن تباين وجهات نظر أفرادها حيال برامج الحزبين الجمهوري والديمقراطي قد جردهما من ميزة تمثيل قوة انتخابية مؤثرة، فقد أظهر الاستطلاع أن 80 % من الناخبين المسلمين يشاركون بانتظام في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأنهم شاركوا بالفعل أو يعتزمون المشاركة هذا العام في الانتخابات التمهيدية الجارية. كما أظهر عدم انتماء غالبية المسلمين الأمريكيين لأي حزب، إذ قال 42% منهم أنهم يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين، فيما اعتبر 17% أنفسهم جمهوريين، و28% أنهم لا ينتمون لأي حزب.
وجاء في الاستطلاع أن القضايا الأهم بالنسبة إلى الأمريكيين المسلمين في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية هي (التعليم والحقوق المدنية)، في ضوء معاناتهم من نقصها في إدارة بوش، ثم الرعاية الصحية والوظائف والاقتصاد وعلاقات الولايات المتحدة مع الدول الإسلامية. وهو ما يشكل اختلافاً مع توجهات الناخب الأمريكي العادي الذي يعد الاقتصاد وحرب العراق القضايا الأهم بالنسبة إلى الناخبين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء.
إلا أن التاريخ العملي للنشاط السياسي لمسلمي أمريكا يشهد بميلهم نحو مرشحي الحزب الديمقراطي الأكثر انفتاحاً على الأقليات الدينية والعرقية في المجتمع الأمريكي، ويتوقع أن تؤيد الكتلة الانتخابية المسلمة المرشح (أوباما)، لكون معظم المسلمين الأمريكيين من أصل إفريقي، بالإضافة إلى أنه ينظر إلى (أوباما) على أنه أكثر اعتدالاً وتوازناً، عند الحديث عن القضية الفلسطينية، أكثر من هيلاري كلينتون، ثم إن (أوباما) وقف ضد الحرب على العراق منذ البداية، بعكس هيلاري كلينتون.
والحال أن المراقبين الأمريكيين يتوقعون مشاركة متزايدة للناخبين الأمريكيين من أصول إسلامية في هذه الانتخابات نظراً لما لحق بهم من إجحاف وتمييز في عهد الإدارة الجمهورية برئاسة بوش وعلى مدى ثماني سنوات متواصلة. إلا أن اللافت في اهتمامات المسلمين الأمريكيين انصباب اهتمامهم على قضية التعليم وتصدرها لجملة مطالبهم، وهو ما يعكس نوعية الناخب المسلم وطبيعة اهتماماته، فيما يبدو اهتمامه بالحقوق المدنية تعبيراً واضحاً عما لحق بهم. فهل ينجح الصوت المسلم في تغيير الخارطة الانتخابية الأمريكية، أو على الأقل في جذب اهتمام المرشحين الأمريكيين إلى قوتهم الانتخابية؟!.

كاتب وباحث فلسطيني
(106)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي