أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

دعوة لقراءة خطاب العقيد دون أحكام مسبقة ... بلال حسن التل

دمشق والقذافي يسبحان ضد التيار و في الاتجاه الصحيح

لأن العقيد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح قدم وصفاً دقيقاً وصريحاً لواقع الأمة، ولأن تشخيص الداء هو أول وأهم خطوات علاجه فإنني أتمنى أن تتم قراءة خطاب العقيد أمام مؤتمر القمة العربي في دمشق بدون أحكام مسبقة، وبدون اجتزاء حتى لا يظلم الرجل مرة أخرى كما حدث في مرات سابقة، عندما اجتزئت مقاطع من خطبه عن سياقها العام لتشويه مقاصده؛ فمشكلة العقيد القذافي أن الكثير من أفكاره ظلمت بفعل افتقار ليبيا إلى روافع تقدم هذه الأفكار على حقيقتها وفي سياقها العام، ولعل الإعلام القادر والمتطور والمنتشر من أهم الروافع التي تفتقر إليها مواقف بعض الدول والزعماء ومنها ليبيا وزعيمها، مما يلحق الضرر والتشويه بمواقفها وسياساتها وطروحات قائدها الذي حذر مبكرا من ازمة المياه في المنطقة وانها ستكون سببا لحروب قادمة كما تنبه مبكرا لاهمية القارة لافريقية ليس لان اكثر من ثلثي العرب هم من ابنائها بل لان جزءا من المواجهة بين امتنا والاطماع الصهيونية ستجري في هذه القارة وهو ما اثبتت الايام صحته عندما اكتشفنا حجم الاختراق الصهيوني للقارة الافريقية والسعي الاسرائيلي لمحاصرة العرب من خلال افريقيا التي تضم منابع مائية مهمة للوطن العربي الذي طالما تبنى العقيد القذافي الدعوة لايجاد صيغة وحدوية يستطيع العرب من خلالها ان يكونوا مؤثرين في احداث العالم وقادرين على حماية مصالحها وهي طروحات كان الاعلام الليبي وما زال عاجزاً عن تقديمها على حقيقتها كما كان عاجزا عن تقديم ليبيا وسياساتها بصورة متكاملة، في حين استطاعت الدول والأنظمة المعادية لليبيا والعقيد أن تمتلك ناصية مؤسسات إعلامية كبرى سخرتها لتشويه حقائق ما يجري في المنطقة العربية وتزويد مواقف خصوم هذه الأنظمة ومنهم العقيد القذافي.

الأمر الثاني الذي ساهم في عدم تقديم الكثير من مبادرات العقيد القذافي على حقيقتها أن الناس تستمع إليه كسياسي وحاكم، في حين أنه يتحدث من خلال الموقع الذي يحب أن يصنف على أساسه كمفكر وقائد ثورة وبين حديث المفكر والسياسي بون شاسع، يحتاج أيضاً إلى أدوات مختلفة في التقييم، ذلك أن السياسيين على الأعم الأغلب، وخاصة في العصر الحديث يلجأون إلى الكذب والمراوغة والمجاملة في أحاديثهم. في حين يذهب المفكر إلى الحقيقة كما يراها ومهما كانت صادمة أو مستهجنة، ولعل استعداد العقيد القذافي الدائم لإحداث الصدمة لمستمعيه كان مصدراً للكثير من متاعبه ولتشويه الكثير من أفكاره ومواقفه، دون بذل عناء حقيقي لدراستها في سياقها العام لاتخاذ موقف مساند أو معارض لها، خاصة في ظل استمرار حملة التشويه لحقائق ما يجري على الأرض العربية، واستمرار سياسة الكيد بين الأنظمة العربية التي أشار إليها العقيد القذافي في كلمته أمام قمة دمشق، عندما تحدث صراحة عن علاقة العداء والتآمر بين الدول العربية التي لا تخلو علاقة أحدها بجيرانها من أبناء أمتها من توتر، يصل في كثير من الأحيان إلى القطيعة، وإعلان الحرب ومحاولة الخنق حتى الموت، ولعل في مسارعة العرب إلى محاصرة أي بلد عربي يرغب الأمريكان في حصاره خير دليل على طبيعة العلاقة بين الجيران العرب، فقد عانت ليبيا مطولاً من الحصار الذي فُرض عليها والذي ابتكر جيرانها العرب من الوسائل الكثير الكثير لجعله سوطاً من العذاب كان يسلع أبناء ليبيا، ومن كان يفكر بزيارتها أيام الحصار..... وهو ما يجري الآن مع أبناء قطاع غزة المحاصر، ليموت أهله جوعاً، بعد أن حول بعض العرب القطاع إلى سجن كبير إرضاء للسيد الأمريكي والحليف الإسرائيلي، وهو ما حدث قبل ذلك للعراق والسودان، وهو سيناريو مرشح للتكرار مع أي بلد عربي ما دامت العلاقة بين أجزاء الأمة على هذه الحالة التي لخصها العقيد القذافي أمام مؤتمر دمشق وهو يتحدث عن الكيد العربي للعرب في إطار رسمه لصورة الواقع العربي الحزين لا بلسان السياسي المجامل، بل بلسان المواطن المكلوم وهو يرى بعض قادته يساقون إلى حبل المشنقة وبعضهم يُحاصر ويُقتل مسموماً، وبعضهم الآخر تسلب إرادته فلا يستطيع أن يفعل ما يشاء، أو أن يقرر ما يشاء حتى على صعيد الشؤون الداخلية لبلده في عصر الدويلات الذي نعيشه، والذي لم يعد فيه مفهوم الأمة يتطابق مع مفهوم الدولة عند العرب وحدهم. كما أشار العقيد، وهي حقيقية تهدد وجود الأمة كلها ما لم تبادر جماهيرها إلى إصلاح هذا الوضع الذي أوصلتها إليه أنظمتها الرسمية، آملين أن يتصدى أهل الفكر في بلادنا إلى بعث حركة تنوير ووعي توقظ الأمة وتوقف انهيارها السياسي والحضاري، حتى لا تغرق في حالة من الفوضى يتصدى خلالها بعض الجهلة والمتعصبين، وأنصاف المثقفين لتوجيهها سياسياً وفكرياً، فيقع لها على صعيد التغيير السياسي مثلما وقع لها على الصعيد العسكري عندما اجتهد أخلاط من الناس فحملوا السلاح ضد المحتل، فاختلت بوصلتهم، وقتلوا من أبناء الأمة أكثر مما قتلوا من أعدائها وسعوا إلى إحداث فتنة طائفية أو مذهبية تحول بندقية الصراع من صدر العدو إلى صدر شريك الوطن والعقيدة والمصير. ولولا نعمة الله بوجود نماذج مشرفة من المقاومة كما هو الحال في فلسطين ولبنان، لصار مفهوم المقاومة لعنة على الأمة ولكانت محاولات العدو في خلط مفهوم المقاومة بمفهوم الإرهاب حقيقية لا نستطيع لها رداً، لذلك يجب أن ننتبه جيداً إلى قضية المصطلح حتى لا نظلم أنفسنا ومقاومتنا وأن ننتبه أكثر إلى محاولات استبدال عدو الأمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد منا أن نعتبر العدو المغتصب لفلسطين حليفاً وجزءاً من المنطقة ونستبدل عداءنا لها بعداء لشركائنا في الدين والجغرافيا والحضارة - أعني إيران وتركيا وغيرهما من مكونات الأمة الإسلامية.

لقد تضمن خطاب العقيد القذافي أمام مؤتمر القمة العربية في دمشق الكثير من الحقائق التي تكتسب أهميتها من أنها قيلت في دمشق التي انتهت إليها رئاسة القمة العربية، وبذلك فإن دمشق تصبح خلال هذا العام ''2008'' عاصمة للثقافة والسياسة العربية، مما يجعلنا نتوقع نكهة جديدة للعمل العربي السياسي والثقافي، يزيد فيه منسوب ثقافة المقاومة والممانعة، وتزيد فيه نكهة العروبة والإسلام، وتأخذ فيه معطيات المقاومة السياسية والثقافية والعسكرية أبعاداً تعينها على السير قدماً على تحقيق أهدافها في تحرير إرادة الأمة وأرضها وصولاً إلى تحقيق إطار لوحدتها في زمن التكتلات الكبرى الذي نعيشه، فلا أحد يختلف مع العقيد القذافي في أن وحدة الأمة هي سبيلها للحفاظ على وجودها، ولعل إصرار الرجل على التبشير بوحدة الأمة من أسباب العداء له والسعي لتشويه الكثير من مواقفه وطروحاته، فهذه الدعوة للوحدة لا تنسجم مع النزعات القطرية، فما بالك بالنزعات القبلية والطائفية التي تحكم بعض أجزاء جغرافيا الأمة، حيث صار بعض شيوخ القبائل يرون كراماتهم أهم من كرامة الأمة، على فرض أن لدى بعضهم إحساس بالكرامة.

إن انتهاء رئاسة القمة العربية إلى دمشق خلال عام ''2008'' يعني الكثير بالنسبة لأبناء الأمة، ولعل أول ذلك هو الأمل في قطع اليد الأمريكية ومنعها من التدخل في الشؤون العربية بعد أن صار هذا التدخل يأخذ أشكالاً سافرة ووقحة، ولعل هذا هو السر وراء اللهاث الأمريكي على إفشال قمة دمشق. بعد أن سعت بكل قواها إلى منع انعقادها؛ فمراكز الدراسات في الغرب تعرف تماماً ماذا يعني أن تستعيد بلاد الشام دورها التاريخي سياسياً وحضارياً ولعل الخوف من استعادة هذا الدور التاريخي لبلاد الشام التي باركها الله بالأقصى هو الذي أزعج بعض العواصم خارج بلاد الشام من انعقاد قمة دمشق، فاندفعت لتعطيلها رغم أن هذه العواصم تخلت عن دورها المفترض عربياً وإقليمياً لتحدث فراغاً لا نحب أن يملأه الأمريكان ولا اليهود، ولا نحب أن تخوفنا هذه العواصم من الفزعة الإيرانية، بعد أن تركت هذه العواصم مواقعها في خدمة قضايا الأمة، والدفاع عنها. وهي القضايا التي استعرض العقيد القذافي جوانب منها مشيراً إلى ما وصلت إليه من نهايات مأساوية لا بد من العمل على تغييرها، فعلى صعيد قضية الأمة المركزية لم يبالغ العقيد بما قاله عن ما وصلت إليه المفاوضات وعن المصير الذي ستصير إليه القضية إذا ظل أصحاب الأمر فيها على مواقفهم وسياساتهم، خاصة في مجال التنازلات المستمرة عن حقوق الأمة في فلسطين تماما مثلما لم يبالغ في وصف العلاقة بين فتح وحماس دون مجاملة ومواربة.

ما جرى في دمشق كان سباحة ضد التيار، لكنها سباحة في الاتجاه الصحيح، فقد كانت الأمة بحاجة إلى قمة تؤكد الحد الأدنى من تضامنها، وتؤكد أنها قادرة على أن تجتمع، بل إن من واجبها أن تجتمع ذلك أن الناس عندما تكثر مشكلاتهم وتتعاظم خلافاتهم يلتقون لحلها، وإذا كان بعض العرب يدعون للحوار مع العدو الإسرائيلي وللتفاوض معه، فكيف يرفضون الجلوس مع دمشق والحوار معها، فمهما اختلفنا مع دمشق نظل أبناء أمة واحدة، لا أحد من أبنائها يستغني عن الآخر، وليس مقنعاً لأحد من أبناء الأمة أن عدم حضور رئيس لبناني سبب كافي لمنع عقد قمة دمشق، فقد انعقدت قمم عربية أخرى دون حضور رؤساء عرب، بل إن قمة بيروت عقدت والرئيس عرفات محاصر، ومع ذلك قدم العرب في تلك القمة مبادرتهم للسلام مع من كان يحاصر عرفات، ولم ينتظروا إلى حين فك الحصار عنه لعقد مؤتمرهم أو تقديم مبادرتهم لمن يحاصره، ثم إن لدى الأمة قضايا أهم من انتخاب الرئيس اللبناني، أم أن ما يجري في فلسطين والعراق وغيرهما لا يستحق قمة عربية؟، أم أن الخلافات العربية وتصفيتها لا تحتاج إلى قمة؟....أم......أم.....أم....؟.....

سبحت دمشق ضد التيار، وسبح العقيد القذافي ضد التيار وقال ما لم يقله زعيم عربي.. فقد تحدث الرجلف دمشق بلسان جماهير الأمة وعبر عن ضميرها، فهل تصل صرخة دمشق وحديث العقيد إلى الضمائر، فتسبح الأمة كلها بالاتجاه الصحيح.......؟؟

www.al-liwa.com
(112)    هل أعجبتك المقالة (125)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي