أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مطلوب بهارات زيادة لتسويق كارثة

لا يلقي أحد بالاً لبيانات على شاكلة أن المجلس المحلي في مدينة حلب قد أعلن "انفلات الحياة التعليمية بكافة مراحلها من يديه وخروجها عن سيطرته"، فهكذا بيان -للأسف- لا يحمل أي عنصر من عناصر الإثارة، بينما ضجت وسائل إعلام الثورة وصفحات فيسبوك بتناقل خبر عن عزم "داعش" افتتاح محكمة شرعية ومخفر ومكتب إغاثي في اعزاز لتحكم بذلك سيطرتها على المدينة، بعد أن قامت بإغلاق المشفى فيها، وتعليق عمل المجلس المحلي، وإلغاء عمل الهيئة الشرعية.

المؤسف أكثر هي النقاط الثلاث التي أوردها مجلس حلب في بيانه "الأسود" الذي نعى سرقة العملية التربوية، محدداً أسباب ذلك بعدم وفاء المجلس الوطني والائتلاف بالتزاماتهم المادية تجاه المكتب، وعدم توفر الكتب والقرطاسية، إضافة لمحاولات جهات -لم يحددها البيان- السيطرة على العمل التعليمي من خلال ما هو متوفر لديها من قوة عسكرية أو مادية.

حين تم إنشاء الهيئة الوطنية العليا للتربية والتعليم العالي، والتي هي أحد مكاتب الائتلاف الوطني، كان المفترض أنها ستعمل على دعم المؤسسات والكوادر التعليمية ومتابعة كل ما يخص أمور التعليم في المناطق المحررة، لكن بنظرة على حال المدارس في حلب وريفها على سبيل المثال سنجد أن المدارس الموجودة أغلبها ميدانية برعاية جمعيات تعليمية، وكل جمعية تتبع منهجاً وفكرا تربويا مختلفاً عن الأخرى، وقد يكون معاكساً لها تماما، إضافة لافتتاح مدارس برعاية ألوية من الجيش الحر، بينما المدارس التي تتبع لمجلس مدينة حلب في وضع يرثى له، وتعاني لدرجة الإفلاس. ووفقا لبعض المصادر فإن المبالغ التي أرسلها الإئتلاف لإعانة مدارس حلب -مدينة وريفاً- لم تتعد في أحسن الأحوال 20 ألف دولار.

ليس التمويل وحده من يقف عائقا إزاء قيام مكتب التعليم بدوره في ضبط وتوحيد العملية التربوية وعدم السماح بتسييسها، بل يزيد عليه حالة الانفصال بين جماعة الخارج في غازي عنتاب وبين الداخل، فالتنسيق وتبادل المعلومات والخطط يكاد يكون شبه مقطوع.

إزاء كل ذلك لا غرابة في ورود تلك الأخبار، مترافقة مع صور تشي برداءة الحال التعليمي الذي وصلت إليه مدارس.. ففي مدينة الباب مثلاً الواقعة على مسافة 36 كم شمال شرق حلب، والتي يقول النشطاء أنه تم البدء فيها بتدريس القرآن الكريم والسيرة النبوية وبعض دروس الخياطة والأعمال المنزلية للفتيات بدلاً من الرياضيات والفيزياء والعلوم واللغات، إضافة لتعميم الشعار الصباحي الثوري -كما هو مبين في الصورة أعلاه- بدلاً من الشعار الصباحي البعثي، في الوقت الذي تولت فيه "داعش" تسيير باصات خاصة لنقل الطلاب من وإلى مدارسهم.

في حديث سابق مع السيد جلال الدين خانجي نائب رئيس الهيئة العليا للتربية، اعترف أن الإمكانات المتاحة لهم أقل بكثير من الاحتياجات المتزايدة، وأنه للنهوض بأعباء التعليم يحتاجون لإمكانات دولة، وهو بالتأكيد محق في قوله، لكن ما وصلنا إليه بعد ثلاث سنوات وما قد نصل إليه في سنين قادمة من عمر الأزمة السورية، يجعلنا بحاجة لإدارة كفؤة تدرك الاحتياجات والمعوقات، وتتعامل معها وتقدم الخطط التفصيلية والمرحلية والاستراتيجية، وتحدد المعنيين بتنفيذها، فماهي المنهجية التي اعتمدتها الهيئة لإدارة الأزمات يا ترى؟

وهل سيكون بمقدور الهيئة منع التسييس والأدلجة وفرض الهيمنة على العملية التربوية التي بدأت تستفحل في المناطق المحررة، وهم الذين يعلمون أكثر من غيرهم خطورة تدجين المؤسسة التربوية، وإعادة استنساخ تجربة البعث التي أنتجت مجتمع الخوف والخنوع في مدارس "الأب الخالد"؟
إضافة لما سبق، ووفقا لأرقام منظمة "يونيسف" التابعة للأمم المتحدة فإن عدد المدارس المتضررة والمدمرة في سوريا يقارب 3 آلاف مدرسة على الأقل، بينما هناك حوالي 1500 أخرى تستخدم كمأوى للنازحين، وأكثر من 40% من طلاب سوريا خارج التعليم، وجيل بأكمله لم يدخل المدرسة للعام الثالث على التوالي، وحتى اللاجئون في دول الجوار- ماعدا تركيا- يعاني أبناؤهم من صعوبات الالتحاق بالمدارس وتسرب غالبيتهم.

تقول هذه الأرقام بكل وضوح إن سوريا أمام كارثة تفوق كل ما حصل فيها إلى اليوم من مجازر ودمار للمنازل والمنشآت وتفتيت للنسيج الاجتماعي..كارثة بشرية هي اليوم برسم الهيئة الوطنية العليا للتربية والتعليم العالي ومن ورائها الائتلاف الوطني، كارثة نتائجها سوف تتشظى على المدى البعيد لتنتج جيلاً كالقنبلة الموقوتة.. وبرسمنا جميعاً.

(107)    هل أعجبتك المقالة (109)

د. محمد غريب

2013-10-19

بصرف النظر عن مخالفتنا الرأي لطرق التدريس لبعض الفصائل المسلحة فإن هذا لا يجب أن يجعل الكاتبة تضع تدريس القرآن الكريم والسيرة النبوية تحت "رداءة الحال"!!، في تعميم مبطن على الإسلاميين، بينما يعرف معظمنا أن "داعش" هي صنيعة النظام وليست "فصيلا إسلامياً"!!، فقامت السيدة سيلفا بتعميم وضع داعش على الثوار حيث أغلبهم إسلاميون. كذلك المعزوفة المعروفة التي يتم ترديدها دائماً عن "الأدلجة" والتي أصبحت ممجوجة بنفس القدر الذي يجعلنا نشمئز ربط القاعدة "المنشأة من قبل المخابرات الأمريكية" بالإسلام تمهيداً لإقصاء المسلمين جميعاً من الخارطة، !!. وتجاهلت الكاتبة تماماً ، أن أغلب المدارس العاملة خارج سيطرة النظام يقوم بإدارتها ناشطون ذوو توجه إسلامي وقد فاقوا المدارس الحكومية في الأداء بحس شهادات مستقلة. كان الأجدى بنا بدل التبشير بالكوارث، وهي واقعة وموجودة، أن نقدم حلولاً واقتراحات بدلا من التبشير بالـ"القنابل الموقوتة"..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي