د. كمال اللبواني | |
|
معارضة المعارضة... اللبواني نموذجا

صحيح أننا ابتلينا بمعارضة ضعيفة فاشلة بائسة، فامتحان الثورة القاسي والمكثف والمستمر منذ أزيد من عامين ونصف كشف ذلك بوضوح، وصحيح أن توجيه النقد إلى هذه المعارضة أمر صحي ومطلوب، لكن الصحيح أيضا أن للنقد أصول وأسس وأخلاقيات يجب أن لا يخرج عنها لكي لا يتحول من فعل خير يؤدي إلى الإصلاح والتقويم إلى فعل شر يؤدي إلى المزيد من الإضعاف والفشل والإحباط. والصحيح أيضا أنها تبقى معارضتنا ولا يمكننا استبدالها أو اختراع غيرها أو الاستغناء عنها، وعلينا التعامل مع هذا الأمر الواقع مثل أي أمر واقع آخر.
فتحت شعار الحقيقة والمصارحة والمكاشفة يشن اللبواني، كعادته، هجوما قاسيا على أطراف المعارضة السورية، قسم من هذا الهجوم يتناول مواقفها السياسية، ولا مشكلة في ذلك لأن للرجل وجهة نظره التي تستحق الاحترام، وقد نتفق معها في نواح كثيرة، أما القسم الآخر فيتناول الأشخاص في أخلاقهم وشرفهم ووطنيتهم، وهذا ما نختلف مع اللبواني عليه.
فعن هيئة التنسيق يقول اللبواني أنها "المعارضة التي صنعها النظام وسماها معارضة وطنية" وهذا الكلام لعمري هو كلام جارح وظالم، فهيئة التنسيق لم تكن يوما صنيعة النظام ولا حليفته، ولمعظم كوادرها تاريخ مشرف في مقارعته، وقد كلفهم ذلك أثمانا باهظة، وتخوينهم بهذه الطريقة من قبل شخصية معارضة أمر في غاية السوء.
أنا أيضا أختلف مع هيئة التنسيق في مواقفها السياسية وطريقة أدائها كمعارضة، وأعتبر أنها عبر تمسكها الدائم بمسارها الواحد الأوحد، ورفضها لأي مسارات أخرى، إنما أساءت كثيرا إلى الثورة وقدمت خدمات مجانية للنظام ما كان عليهم تقديمها، لكن اختلافنا معها على الطريقة والأسلوب لا يعني بحال من الأحوال الطعن بوطنية كوادرها وبإخلاصهم للثورة ومعاداتهم للنظام، ثم أين هي هذه المعارضة التي لم تخطئ وقامت بماعليها تجاه الثورة بالطريقة الصحيحة؟
ويهاجم اللبواني الائتلاف بقوة وشراسة أكبر، ويقول عنه "المعارضة الخارجية المتطفلة" ويتأسف لدخول الديمقراطيين فيه بعد توسعته بإرادة غربية وقحة حسب تعبيره، ويصنفهم، حسب موقفهم من جنيف، ضمن المجموعة السابعة، وهي مجموعة "المتخوفين من الثورة.. والراغبين في وقفها لأنها انحرفت.. والساعين لتشكيل حلف مع النظام والمجتمع الدولي لمواجهة التطرف الإسلامي الذي نشأ بفعل الثورة، ومثاله داعش والنصرة..، والذين يعتبرون أن خيار القوة يجب أن يتوقف، وأن النظام أصبح قوة اعتدال في المنطقة لا يجب إسقاطه في هذه المرحلة، بل يجب إنقاذه وترميمه وتطعيمه بوحدات من المعارضة للوقوف معا في وجه التطرف الإسلامي... أما عن الكتلة الديمقراطية في الائتلاف فيقول: "كما أنها معروفة برموزها وشخوصها. وهي الآن - بمساعدة المال السياسي - الذي يدفع لشراء الأصوات الرخيصة، تشكل أغلبية في الائتلاف المفترض فيه تمثيل قوى الثورة، لكن قوى غير ثورية أصبحت تستطيع جره من داخله نحو مشروع استسلامها، ولا يمكن وقفها عمليا من دون إسقاط هذا الائتلاف (المتعفن) بكل أسف وحسرة."
إذن حسب اللبواني، هو ائتلاف متعفن تقوده أغلبية ديمقراطية غير ثورية، رخيصة ومستسلمة، ولا بد من إسقاط الإئتلاف لإيقاف مشروعها الاستسلامي...
أقول بشأن الائتلاف وبشأن كتلته الديمقراطية نفس ما قلته بشأن هيئة التنسيق، فلا أنا ولا معظم السوريين قد نختلف مع اللبواني في الإقرار بفشل هذه الكيانات المخزي والفاضح، وعدم قدرتها على القيام بأي دور ذو قيمة في هذه الثورة، لكن إطلاق الإتهامات جزافا، ورمي الناس بالخيانة والاستسلام والرخص.. لأنهم يختلفون معنا بالرأي، أو لأي سبب آخر، أمر لا يمكن قبوله.
معرفتي وثيقة بعدة أشخاص من الكتلة الديمقراطية التي دخلت الائتلاف، ومنهم رئيس الكتلة، ميشيل كيلو، ولا أرى فيهم إلا مناضلين شرفاء مخلصين لثورتهم مسكونين بحب وطنهم... لكن مشكلتنا لم تكن يوما في ضعف المعارضين كأفراد، ولا في نقص وطنيتهم، بل في فرديتهم الطاغية وعدم قدرتهم على العمل الجماعي الممأسس الذي يمكن أن يصنع فرقا على الأرض، وقد كتبت في هذه الصحيفة ثلاث مقالات متتالية عن أمراض المعارضة وأسباب فشلها.
بقي أن نقول أن من ينتقد الائتلاف وشخوصه بهذه الطريقة هو أحد أعضاء هيئته السياسية، والتي هي صاحبة القرارالسياسي فيه!! فما الذي يمنع اللبواني من الانسحاب من هذا الائتلاف المتعفن الساقط كما يقول؟ وما هذا الائتلاف الذي يسمح لعضو قيادي من أعضائه بإهانته بهذه الطريقة؟ أسئلة تستحق التأمل.
بقي أن نقول للدكتور اللبواني أن تهجمه على المعارضة وشخوصها بهذه الطريقة هو ليس نقدا، بل تجريح وإهانة، ولا يقدم أي فائدة لأي طرف، بل بالعكس، هو يساهم في تثبيط الهمم ونشر الإحباط لدى السوريين ودفعهم إلى الياس، ويمعن في تمزق المعارضة الممزقة أصلا، ويعزز من عزلتها عن الناس، وفي كل ذلك خدمة مجانية للنظام.
أما بشأن آرائه في المشاركة في مؤتمر جنيف2، فتتلخص في أن هذا المؤتمر ليس إلا لعبة سياسية بين الدول الكبرى غرضها وأد الثورة وتحويل الصراع من صراع بين شعب ثائر ونظام مستبد، إلى صراع أهلي بين أطراف داخلية متحاربة متساوية، ينتهي في المآل، وبعد أن ينهك الجميع، إلى القبول بتقسيم سوريا إلى أربع كيانات مستقلة كوسيلة وحيدة لإيقاف الحرب، وهدفهم البعيد من كل ذلك هي تغييب سوريا كدولة عن الساحة لمدة 10 سنوات يتسنى خلالها لإسرائيل فرض حل جائر على الفلسطينيين ونهب غاز شرق المتوسط...
إذن حسب اللبواني لا فائدة من الذهاب إلى جنيف "يسقط جنيف ومن سيذهب إلى جنيف" والحل الوحيد لتحقيق غايات الثورة هو متابعة القتال بدون توقف وبدون استراحة، فعهد الدم يفرض على الثوار متابعة الطريق التي استشهد من أجلها رفاقهم حتى تحقيق النصر......
ربما أتفق مع اللبواني على الكثير من أرائه بشأن جنيف، من احتمالات الفشل الكبيرة جدا، إلى نوايا رعاة المؤتمر في إحباط الثورة وتمزيق سوريا خدمة لإسرائيل....لكن المسألة ليست مسألة أن نشارك أو لا نشارك، إنما كيف سنشارك؟ فعدم الذهاب خطأ كبير قد يحرم البلد من فرصة للحل السياسي مهما كانت ضئيلة، ويبرز المعارضة أمام العالم كعدو للعمل السياسي السلمي، وسيستثمر أعداؤها هذه النقطة إلى الحد الأقصى. وكذلك فإن الذهاب الاعتباطي غير المنظم والمخطط أيضا خطأ أكبر، لأنه بالفعل سيؤدي إلى ضياع حقوق السوريين وتضحياتهم، أما السيناريو الأصلح من وجهة نظري فهو بين الإثنين، أي الذهاب المنظم المدروس المتمكن، وهذا يعني:
أولا: التنسيق والتوافق بين كل أطياف المعارضة الوازنة، وخاصة بين هيئة التنسيق والائتلاف، على كيفية المشاركة وأسسها وأهدافها، وأن تذهب للتفاوض كفريق واحد منسجم بإدارة موحدة ورؤيا واضحة، وتفاهم كامل على كل التفاصيل المؤثرة.
ثانيا: التنسيق قدر الإمكان مع قيادات الثورة على الأرض والحصول منها على التفويضات اللازمة.
ثالثا: الاشتراط كحد أدنى للذهاب، وقف القتل والأعمال الحربية، وإطلاق سراح المعتقلين، وضمانات دولية كافية لإلزام الأطراف بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، وحيازة وفد النظام على الصلاحياة الكافية للتفاوض، وأن يكون هناك وضوحا كافيا في أهداف المؤتمر وبرامجة وطريقة عملة، وأن يكون الهدف من المؤتمر هو الاتفاق على خطة واضحة لرحيل النظام بشكل نهائي بعد مرحلة انتقالية محددة.
بتحقيق ذلك يكون الذهاب إلى جنيف هو عمل في الاتجاه الصحيح، فإذا لم يقدم الفائدة المطلوبة فإنه لن يضر على الأقل.
نعم الذهاب إلى جنيف ليس هو الحل الأمثل الذي سيحقق للسوريين حلمهم، لكن ما هي الحلول التي بقيت متاحة أمام السوريين؟ وهل المعطيات على أرض الواقع تبشر بالخير؟ نخدع أنفسنا إذا قلنا نعم فصورة الواقع ليست وردية على الإطلاق.
مع استمرار هذا الحال البائس لدى المعارضة المسلحة من جانب، والمعارضة السياسية من جانب آخر، والمجتمع الدولي من جانب ثالث، فإن النظام سيسقط يوما ما، لكن سنأخذ منه ركاما إسمه سوريا، شيء غير قابل للحياة وإعادة التأهيل والحكم.
طبعا الوصفة الأفضل لإسقاط نظام الأسد وبقاء البلد حيا قابلا للاستمرار، هي أن تنظم كل من قوى الثورة وقوى المعارضة السياسية نفسيهما وتتوحد كل منهما على رؤى وأهداف مشتركة وخطط عمل استراتيجية ، ثم تعملان معا ضمن استراتيجية موحدة سياسية وعسكرية بنفس الوقت، يكون هدفها إحداث تغيير مؤثر في موازين القوى على الأرض وعلى الصعيد الدولي، يكون كافيا لإقناع النظام أنه ذاهب إلى الهزيمة من جانب، وإقناع المجتمع الدولي أن البديل القادم هو بديل مدني ديمقراطي، وعندها فقط يمكن الإقلاع بمفاوضات ناجحة تكون البيئة الدولية فيها مواتية، وتكون المعارضة فيها الطرف الأقوى وتستطيع انتزاع النتائج التي تناسب طموحات الشعب السوري وتضحياته الهائلة.
لكن هل ذلك ممكن؟ وكيف؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية