رويترز تتحدث عن السعوديين و"كابوس" الصفقة الإيرانية الأمريكية، وتذكر بأيام الملك فيصل

مصطفى العاني: لم يعد هناك بين كبار الأمراء السعوديين من يتعاطف مع أوباما، وهم يعتقدون أنه فقد صوابه.
الأربعاء القادم يصادف الذكرى الأربعين لحظر النفط العربي إبان حرب 1973، بقرار من الملك فيصل.
سفير واشنطن السابق في الرياض: أسوا كابوس للسعوديين هو أن تعقد الإدارة صفقة كبيرة مع إيران.
نشرت "رويترز تحليلا موسعا تحت عنوان" السعوديون يتأهبون لكابوس التقارب الأمريكي الإيراني"، قالت فيه: عندما ألغى وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خطاب المملكة السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي لأول مرة على الإطلاق كانت رسالته غير المعلنة بالغة الوضوح.
ولا يمثل رفض إلقاء كلمة مقررة بالنسبة لأغلب الدول أكثر من مجرد احتجاج دبلوماسي بسيط، لكن بالنسبة للسعودية التي تفضل العمل السياسي وراء الكواليس على العمل العلني كان ذلك تحركا صريحا بشكل غير معهود.
ويخوض حكام السعودية ما يعتبرونه صراع حياة أو موت على مستقبل الشرق الأوسط مع إيران وهم غاضبون لعدم تحرك المنظمة الدولية بشأن سوريا، حيث تدعم المعارضة التي تسعى للاطاحة بالنظام المدعوم من إيران.
وخلافا للسنوات الماضية لا يقتصر غضب السعوديين على الصين وروسيا العضوين الدائمين بمجلس الأمن الدولي، بل يشمل أيضا الولايات المتحدة التي يعتقدون أنها خذلت أصدقاءها العرب مرارا باتباع سياسات يرونها ضعيفة وساذجة.
ومثل إسرائيل الحليف الرئيسي الآخر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يخشى السعوديون أن يسمح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بهذه السياسات للأعداء المشتركين بامتلاك اليد العليا.
ولا يوشك التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية على الانهيار. لكن السعودية مستعدة - مثلما حدث قبل نحو 40 عاما عندما فرضت منظمة "أوبك" حظرا نفطيا بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حرب عام 1973 - لتحدي واشنطن دفاعا عن مصالحها الاقليمية ولو دون المساس بإمدادات الطاقة، وقد اختلفت معها بشأن مصر منذ الربيع العربي ويتزايد الخلاف بينهما أيضا حول سوريا حيث يمكن أن تزيد السعودية الآن جهودها لتسليح المعارضين السنة.
ويتركز غضب السعوديين على ملالي طهران الشيعة الذين يروجون لما يسمى الثورة الإسلامية منذ وصلوا إلى السلطة في إيران قبل نحو 34 عاما، وترى الرياض أن أيديهم تحرك خصومها السياسيين في ست دول عربية.
وكان حكام السعودية يشعرون بالفعل بالقلق من تردد الولايات المتحدة في دعم المعارضين الساعين للاطاحة ببشار الأسد أقوى حليف لطهران. لكن القلق اشتد وهم يرون واشنطن تتواصل مع الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني الشهر الماضي.
وقال الدبلوماسي السابق روبرت جوردان الذي كان سفيرا لواشنطن في الرياض من 2001 حتى 2003 "أسوا كابوس للسعوديين هو أن تعقد الإدارة صفقة كبيرة مع إيران".
ورغم أن أي تقارب جاد بين الولايات المتحدة وإيران يبدو بعيدا فقد اتصل أوباما هاتفيا بروحاني، الذي يصف نفسه بالمعتدل، أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويخشى السعوديون الآن أن ينجذب أوباما إلى تحسين العلاقات مع طهران من خلال إبرام صفقة تسمح بتوسيع تفتيش مواقعها النووية، مقابل السماح لحلفائها بالمضي قدما في الهيمنة على دول عربية مثل لبنان وسوريا والعراق. ورغم أن مثل هذه الصفقة لم تطرح علنا قط من داخل إدارة أوباما، فلم يمنع هذا السعوديين من إبداء مخاوفهم.
وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي إنه يخشى أن تكون هناك خفايا، مضيفا أنه إذا توصلت أمريكا وإيران إلى تفاهم فقد يكون على حساب العالم العربي ودول الخليج وخصوصا السعودية.
وشدد العسكر على أنه غير مطلع على تفكير الحكومة في هذا الموضوع، وأنه إنما يتحدث بصفة شخصية.
وليس للولايات المتحدة مصلحة في استعداء السعوديين، لكن مع قيامها بإعادة ترتيب أولوياتها قد يكون بعض الخلاف حتميا. ومثل هذا الخلاف لا يقلق واشنطن بقدر ما كان يقلقها سابقا نظرا لارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة، وهو ما يقلص اعتمادها على الرياض.
ومغ ذلك تفضل إدارة اوباما التشديد على التعاون في العلاقات بين البلدين. وقالت برناديت ميهان المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي "الولايات المتحدة والسعودية تربطهما علاقة مشاركة منذ فترة طويلة، وتتشاوران تشاورا وثيقا في القضايا التي تهم الجانبين، مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب وضمان استقرار إمدادات الطاقة بشكل يعتمد عليه ودعم الأمن بالمنطقة"
وقال مصطفى العاني وهو محلل عراقي في مركز الخليج للأبحاث في جدة وله علاقة وثيقة بالمؤسسة الأمنية السعودية إن السعوديين لا يتخذون عادة أي قرار يتعارض مع مشورة الولايات المتحدة أو مصلحتها، لكنه يعتقد أنهم تجاوزوا هذه المرحلة ويرون الآن أنه ما لم يكن الأمر في مصلحتهم فلا ضرورة للاستجابة لرغبات الأمريكيين.
وسرد العاني طائفة من الشكاوى السعودية من تقاعس أوباما عن الضغط على إسرائيل لإنهاء البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، وصولا إلى تأييد انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بحكام مستبدين في مصر وتونس كانوا يدعمون السياسة الأمريكية.
ولكن أهم نقاط الخلاف هو أسلوب أوباما في معالجة الأزمة السورية، وهي صراع ينظر إليه في السعودية على أنه معركة فاصلة في السيادة على الشرق الأوسط بين الزعماء الموالين للغرب وإيران.
وعلى مدى أكثر من عام ناشد المسؤولون السعوديون واشنطن الدخول في الصراع، إما بشكل مباشر من خلال توجيه ضربات جوية، وإما بفرض منطقة حظر جوي، وإما عن طريق تقديم دعم عسكري كبير للثوار السوريين.
وعندما قتل قرابة 1500 شخص في هجوم بالأسلحة الكيماوية في أغسطس/ آب اقتنع السعوديون بأن هذا التجاوز للخط الأحمر الذي وضعه أوباما العام الماضي سيجبر الولايات المتحدة أخيرا على القيام بتحرك قوي.
لكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد ذلك بوساطة روسيا لتفكيك ترسانة بشار الأسد الكيماوية، وبالتالي تجنب الهجمات الجوية مثل ضربة قاسية للرياض التي كانت استراتيجيتها الأساسية في سوريا تقوم على إقناع حليفها الأمريكي بدخول الحرب.
وتوضح تلك الخلفية المضطربة قلق كبار المسؤولين السعوديين إزاء حديث أوباما مع روحاني في نيويورك الشهر الماضي.
وبعد سنوات نصح السعوديون خلالها أقرب أصدقائهم الأجانب بتوخي الحذر من حكام إيران واصفين إياهم بحسب عدة برقيات دبلوماسية مسربة نشرها موقع ويكيليكس بأنهم "متقلبون" "ويتدخلون في شؤون الدول الأخرى" و"رأس الأفعى" يخشى المسؤولون بالمملكة أن لا تلقى نصيحتهم استجابة.
وتبدو المخاطر عالية بالنسبة للسعودية، وتحتدم المنافسة مع إيران في المنطقة بشكل ينطوي على عداوة متزايدة.
وتابع السعوديون بقلق على مدى السنوات العشر الأخيرة تنامي قوة حلفاء إيران من العرب، حتى باتوا يهيمنون على الساحة السياسة في لبنان والعراق وينظمون احتجاجات واسعة في البحرين وتمردا في اليمن، في تحرك يطوق السعودية على ما يبدو.
وتجلى قلق السعوديين أيضا في قيام إيران بتحرك مباشر ضد المملكة نفسها بإذكاء الاضطرابات بين الأقلية الشيعية، فضلا عن قضية التآمر لاغتيال سفيرها لدى واشنطن وزرع شبكة للتجسس في البلاد.
وقال دبلوماسي كبير في الخليج قبل بضعة أسابيع "إذا كانت الولايات المتحدة لينة بالفعل تجاه إيران وسمحت لأصدقاء إيران بالانتصار في سوريا.. فما الذي ستستنتجه حكومات دول الخليج؟".
وأضاف أن السعوديين يساورهم القلق "من اتفاق محتمل في نهاية المطاف بين واشنطن وإيران" وقال "سيرون ما يحدث في سوريا كعلامة على ذلك".
وترى الرياض بالفعل أن قبول أوباما لاتفاق الأسلحة الكيماوية مع نظام دمشق دليلا على أن الولايات المتحدة تبنت نهجا لينا بالفعل.
وقال العاني إن المسألة ليست تفاوض إيران مع الولايات المتحدة، فالسعوديون يعلمون أن هذا سيحدث عاجلا أو آجلا، وإنما أن هذا التفاوض جاء في وقت غير مناسب، وقد اختبر الإيرانيون والروس الرئيس الأمريكي بالفعل وثبت أنه لا يمكنه التمسك بمبادئه أو حماية مصالح السعودية.
وعندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون تستعد لزيارة الرياض للمرة الأولى في فبراير شباط 2009، أعد سفير واشنطن فورد فريكر مذكرة تشرح قوة العلاقات. ونشر موقع ويكيليكس المذكرة في وقت لاحق.
ووصف "فريكر" الأسرة السعودية الحاكمة بأنها أسرة "أسست في الذاكرة الحية دولة جديدة وأطلقت عليها اسمها"، وعدد نقاط الاتفاق المشتركة التي تربط الرياض وواشنطن من سياسة الطاقة إلى محاربة تنظيم القاعدة. وخلص إلى أن "مصالحهم تتفق مع مصالحنا بدرجة مدهشة".
ويقول دبلوماسيون سابقون في السعودية إنه مهما كانت العقبات في الطريق سيظل ذلك الوضع دون تغير إلى حد بعيد. وأوضح دبلوماسي إن واشنطن ستراعي المخاوف السعودية، مضيفا "السعوديون سياسيون يتمتعون بمهارة فائقة وإلا لما بقوا في السلطة.. أغلب الادارات الأمريكية الجمهورية او الديمقراطية تستمع إلى السعوديين وإلى نصائحهم بشأن مسائل كثيرة ومنها الشؤون الإيرانية".
غير أن مثال اختلاف السعودية مع النهج الأمريكي بخصوص مصر، يشير إلى أن المملكة ربما تميل حاليا لمخالفة السياسة الأمريكية في مناطق أخرى لاسيما في سوريا.
ويوافق الأربعاء القادم الذكرى الأربعين لحظر النفط العربي عندما أوقفت دول الخليج المصدرة للخام المبيعات، ردا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ضد العرب في حرب عام 1973، وذلك في عهد الملك فيصل.
وتتفق واشنطن والرياض بشكل كامل حاليا على أهمية استقرار امدادات النفط، لكن السعودية ربما تكون مستعدة للسعي وراء مصالحها بطرق أخرى.
وقال عدة محللين ودبلوماسيين في الخليج إن الولايات المتحدة طالبت الرياض بعدم تزويد المعارضة السورية بأسلحة تغير مسار الحرب مثل الصواريخ أرض جو خشية وقوعها في أيدي الإسلاميين المتشددين.
وقال العاني إن هذا أحد المجالات التي قد يدرس السعوديون المضي فيها عبر طريقهم الخاص، لاسيما مع انحسار انقسامات بسيطة داخل الأسرة بشأن مدى إمكان الوثوق في أوباما.
وقال إنه لم يعد هناك بين كبار الأمراء من يتعاطف مع أوباما، وإنهم يعتقدون أنه فقد صوابه.
وليس واضحا إلى أي مدى يمكن أن تغير مثل هذه الخطوة ميزان الصراع في سوريا، لكن السفير الأمريكي السابق "جوردان" قال إنها قد تؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات الأمريكية السعودية. وقد يصبح كل من الجانبين أقل استعدادا لمراعاة مخاوف الآخر في قضايا أخرى.
الملك فيصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية