لم يعد يخفى على أحد فداحة الخطر الذي تشكله الأنظمة الحاكمة على وجود أمتنا، فبقاء هذه الأنظمة في سدة الحكم لن يؤدي إلا إلى مزيد من المصائب والويلات، ويمكّن الأعداء من تنفيذ مخططاتهم للهيمنة على أمتنا. ولما كانت هذه الأنظمة ترفض التغيير والإصلاح بالطرق العادية، فإن انتفاضة شعبية عارمة شاملة هي وسيلة مشروعة للتغيير.
ففي ظل هذه الأنظمة يستمر انحدار الأوضاع على كافة الصعد من سيء إلى أسوأ، في المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية والإدارية والسياسية والبيئية والصناعية والتجارية، ويتسنى للأعداء مواصلة تمزيق أمتنا واحتلال أوطاننا، وإشعال الحروب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد في العراق وفلسطين ولبنان وأفغانستان والسودان والصومال...
كما تشجع هذه الأنظمة - بتخاذلها وتواطئها - العدو الصهيوني على مواصلة التنكيل بالشعب الفلسطيني واقتراف المجازر والمحارق ضده وإلحاق أقسى أنواع المعاناة به، وعلى مواصلة تقويض أساسات المسجد الأقصى المبارك وأركانه وتهويد مدينة القدس المحتلة وضم الأراضي لكيان الاحتلال وإقامة المستوطنات عليها...
ولم تكتف هذه الأنظمة بالصمت على جرائم العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين وجرائم الاحتلال الأنغلوأمريكي ضد العراقيين والأفغانيين، بل أصبحت هذه الأنظمة سلاح بيد الأعداء لتمزيق الأمة وإعاقة وحدتها ونهضتها. لقد أحالت تلك الأنظمة بلادنا إلى خراب وأحلت شعوبنا دار البوار، فانتشر البؤس والخراب والفساد في كل جوانب حياتنا، حتى بات لا يؤمل مع وجود هذه الأنظمة إصلاح لحال أمتنا وخلاص لها من حالة الذل والهوان.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد منحت هذه الأنظمة الحمقاء الجاهلة العدو الأنغلوأمريكي الذرائع لشن الحرب على العراق وأفغانستان واحتلالهما، فانتشر الخراب والدمار في ربوعهما. وتمحورت هذه الأنظمة البائسة حول السياسات الأمريكية المعادية لطموحات شعوبنا ومصيرها، ليتمكن هذا العدو من الهيمنة على أموال أمتنا وثرواتها ويستخدمها في إذلال شعوبنا وذبحها.
ولم تدع هذه الأنظمة المستبدة الفاسدة أي طريق أمام شعوبها للإصلاح والتغيير، فقد قطعت هذه الأنظمة كل الطرق على شعوبها للتغيير بوسائل ديمقراطية وسلمية، وتحولت إلى أنظمة بوليسية قمعية، ومارست الإقصاء ضد الأحزاب السياسية ومنعتها من المشاركة السياسية الفاعلة، واحتكرت السلطة وتوارثتها، ولم يعد يهم هذه الأنظمة غير ممارسة الخداع والتضليل والتجهيل ضد المواطنين، وقمعهم وقهرهم، لتضمن الانفراد بالسلطة والحكم.
لقد صادرت هذه الأنظمة حقوق المواطنين، واستباحت أعراضهم، وامتهنت كرامتهم، وانتهكت حريتهم، ومنعتهم من ممارسة حقهم الطبيعي في العمل السياسي والمواطنة الصالحة، وحالت دون مساهمتهم في بناء الوطن وإصلاح الدولة ونهضة الأمة ومناصرة إخوة العروبة والإسلام. وترتكب هذه الأنظمة كل هذه الجرائم بحق المواطنين حرصاً على مصالحها الشخصية ومصالح عائلاتها وأحزابها، وخدمة لأعداء الأمة لضمان الاستمرار في الحكم والسلطة.
لقد عبثت أنظمة الحكم بأموال الأمة وجعلتها دُولة بين المفسدين والمتسلطين والانتهازيين، ودعمت بها اقتصاد أعداء أمتنا، الذين يحتلون أوطاننا ويعتدون على ثقافتنا ومقدساتنا ورموزنا الإسلامية، ودمرت كل مقومات النهضة لدى شعوبنا، وجعلت اقتصاد البلاد مرتهناً بسياسات الأعداء.
وفتحت هذه الأنظمة أوطاننا لأعدائنا، ليقيموا عليها قواعدهم العسكرية، التي يشنون منها الحروب على بلادنا، وفتحت الأجواء والموانئ والبحار لطائرات العدو وأساطيله الحربية، ليدكوا بها المدن والقرى على رؤوس المواطنين الأبرياء...
وأتاحت هذه الأنظمة للأمريكيين والغربيين كل الفرص والإمكانيات التي تمكنهم من شن حربهم الثقافية ضد أبناء أمتنا، فأقاموا مئات الفضائيات والإذاعات المرئية والمسموعة، التي تمارس الأمركة والتفريغ الثقافي ضد أبناء أمتنا، ليتمكن الأمريكيون من الهيمنة على بلادنا وإعادة صياغتها ثقافياً وسياسياً تمهيداً لإنهاء وجود أمتنا.
إذاً ماذا ينتظر العرب كي ينتفضوا ضد الظلم والفساد والقمع والعبث والاستبداد؟! هل يؤدي الانتظار إلا إلى استفحال الخطر واتساع الخرق وتفاقم المصائب؟! صحيح أن الزمن جزء من العلاج، ولكن فقط إذا دخل هذا الزمن في حساباتنا ضمن خطة إستراتيجية بعيدة الأمد لإنقاذ الأمة، أما إذا كان الزمن لا يدخل في حساباتنا، فإنه سيكون عامل خسارة للأمة كما نرى اليوم، فالتدهور يزداد والمشاكل تستعصي على الأمة.
لذلك لا بد لدعاة الانتظار أن يأخذوا في الحسبان الأخطار المتربة على هذا الانتظار، وإلا فإن الزمن لا يقف محايداً ولا يجامل أحداً، فهو إن لم يكن عامل قوة لأمتنا، فسوف يكون عامل ضعف عليها، وإن لم يكن سلاحاً بيدنا، صار سلاحاً بيد أعدائنا. ولن يجدي الانتظار نفعاً لمتخاذل أو متقاعس أو قاعد أو صامت أو متفرج، فعامل الزمن سلاح بيد الأقوياء ووبال على الضعفاء.
إن إجماع الأمة على ضرورة التغيير يشكل أرضية مناسبة للانطلاق نحو التغيير، وعلى النخب بعد ذلك أن تجد وسيلة هذا التغيير، بحيث تتلاءم هذه الوسيلة مع طبيعة الأنظمة السياسية الشمولية، التي تستبد بشعوبنا وتقمع الحريات وتعتدي على الحقوق. ولا يجوز لنا أن نستسلم ونعلن عجزنا عن إيجاد وسيلة مناسبة للتغير، فشعوبنا لا تحتاج من أجل تحقيق التغيير الذي تنشده سوى إرادة قوية وقيادة شعبية مخلصة قادرة على التوجيه.
والانتفاضة الشعبية وسيلة مشروعة للتخلص من الأنظمة المستبدة المتحالفة مع الأعداء، فالانتفاضة توفر بيئة ثورية جهادية لصناعة قادة التغيير ورواد النهضة، ولعل الانتفاضة الفلسطينية تمثل تجربة رائدة في رفض الواقع المرير، فأبطال المقاومة الفلسطينية، الذين ألحقوا الهزيمة بالعدو الصهيوني ومرغوا أنوف جيشه في الوحل والطين، خرجوا من رحم الانتفاضة وقادوا مسيرة المقاومة.
28/03/2008م
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية