رغم تراجع احتمال توجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى نظام الأسد، عقاباً له على تجاوز الخط الأحمر الذي حدده الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بل وانعدام هذا الاحتمال تقريباً، لكنه من وجهة نظري ما يزال احتمال توجيه ضربة محدودة موجوداً.
تعتمد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، منذ أحداث أيلول من العام 2001، على محاربة ما يسمى بالمتطرفين، وقد خاضت لتطبيق هذه السياسة عدة حروب، وكلفتها آلاف الجنود ومليارات الدولارات. ومنذ اندلاع الثورة السورية، عملت الولايات المتحدة، بتنسيق خفي مع نظام الأسد بكل تأكيد، على حرف مسار الثورة السورية، وتحويلها إلى حرب أهلية تدمر البلاد وتنهك سكان سوريا، كما عملت على جعل سوريا قبلة للجهاديين، الذين توافدوا إليها من كل بلاد العالم للقتال ضد هذا النظام الشرير، والمساهمة برفع الظلم عن أهل سوريا. كما عملت الولايات المتحدة ومخابرات النظام على اختراق قيادات المنظمات الجهادية، لتحييد دور المجاهدين وإشغالهم بحروب جانبية مع الجيش الحر، والحد من تأثيرهم في الحرب ضد قوات النظام.
بعد استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة، وسقوط مئات الشهداء بسبب ذلك، ولا أدري حقيقة السبب الحقيقي لاستعمال الكيماوي بهذا الشكل، مع اعتقادي أن النظام قد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لاستخدامه، بعد تلك الجريمة، حشدت الولايات المتحدة قواتها، واستعدت البوارج لتعسكر قبالة السواحل السورية، حتى أن استعداداتها فاقت بكثير ما قالت أنها تنوي فعله، لكنها بالتأكيد لم تقم بحشد هذه البوارج من أجل أن لا تفعل شيئاً.
تم أخيراً الاتفاق على نزع السلاح الكيماوي السوري، وفي هذا الاتفاق المشبوه، تعهد النظام بالتخلص من ألف طن من السلاح الكيماوي خلال أشهر، مع أن الولايات المتحدة احتاجت إلى 28 سنة للتخلص من ترسانتها الكيماوية بعد قرار تحريمها دولياً، أي أنها تطلب من النظام ما عجزت هي نفسها عن تنفيذه.
أعتقد أن هذا الأمر مدبر، وأن النظام لن يستطيع تنفيذ بنود الاتفاق حتى لو عمل على ذلك، وأن الضربة العسكرية ضد النظام آتية ولو تأخرت قليلاً، وستكون تلك الضربة مبرراً لشرعنة التدخل في سوريا، ويكون هدفها دفع النظام إلى القبول بحل سياسي تقرره الولايات المتحدة حسب شروطها. ومن ثم ستكمل الأخيرة مهمتها، وتطبق سياستها، بتنفيذ ضربات أوسع وأشمل ضد معاقل الجهاديين، بعد أن شرعنت التدخل بنظر السوريين ونظر العالم، وستستغرق تلك الحرب سنوات طويلة.
ويشير الكم الكبير من طائرات (درون) بدون طيار، التي نقلتها إلى قاعدة أنجرليك التركية، إلى أن الولايات المتحدة تنوي خوض حرب طويلة وتنفيذ هجمات جوية ضد معاقل المجاهدين بعد حصرهم في مناطق معينة من سوريا.
الأشهر المقبلة مليئة بالمفاجآت والتقلبات، والنظام لن ينجح بتنفيذ الاتفاق حتى لو سعى إلى ذلك، لكن الأكيد أنه سيخلف وعوده وينقض الاتفاق خلال الأشهر القليلة القادمة، والتي ستكون بداية مرحلة جديدة في سوريا.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية