أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سوريا- الحقيقة الضائعة ... مروان سليمان


المشهد غريب في سورية و ضبابي بعض الشئ أحياناً و مأساوي و دموي ومتخبط وفوضوى ويعكس حالة من الحياة والتصرفات العشوائية فى كل شىء، بداية من طريقة إدارة الثورة و الأزمة مرورا بالمسرحية الهزلية بما تسمى الكتائب التي تنسحب تباعاً من الإئتلاف الوطني أو الخروج عن طاعتها و ولائها المتمثلة فى الجماعات الإسلامية المتشددة ما هي إلا نذير و بداية النهاية لشعب فقد القدرة على الحلم و تحقيق مطاليبه ويرى الحياة بصورة الموت و حقوقه و مطاليبه المشروعة أصبحت بأيد غير أمينة لأن الجميع يلهث وراء مصالحه الضيقة على حساب جثة وطن ينزف دماً و تزهق أرواح أبنائه على الاسم و الهوية بفتاوى مزاجية خدمة لمآربهم و أهدافهم و كأن الجميع اتفقوا على نهش و اغتصاب جثة هذا الوطن فإلى متى يفهم هؤلاء بأنه لا مجال للحياة إلا بالتغيير.
غير أن ما يحدث في سوريا هو أن النظام السياسي على وشك الإنهيار و إن هذا الإنهيار يترتب عليه انبثاق نظام سياسي جديد لكي يحل محل القديم وو لادة هذا النظام الجديد عملية معقدة لأن العملية تحتاج إلى مرحلة انتقالية و هذه المرحلة غير مضمونة النتائج بسبب سيطرة الجماعات المسلحة على الكثير من المناطق و عدم التنسيق فيما بينها يجعل المواطن أكثر خوفاُ من النظام السابق هذا من ناحية و من ناحية أخرى فقد تنتكس الثورة السورية و تنقلب العملية بدلاَ من تحرير الشعب و الوطن و تحقيق مطاليبه إلى إقامة نظام ديني متشدد و ديكتاتوري من نوع جديد أكثر إجراماً بسبب اعتماده على الفتاوي و التعصب و الطائفية الدينية و السياسية و القتل على الهوية بدون رادع أخلاقي أو انساني .
لقد فتحوا الأبواب على مصراعيها للجماعات الإرهابية و اللصوص و المرتزقة للدخول إلى سوريا تحت يافطة الجهاد و مساعدة الشعب السوري في التخلص من الديكتاتورية و الإستبداد الذي يعانيه السوريين على مدى عشرات السنين و لكن في الحقيقة دخولهم كان لها أجندات مخفية و هي تحقيق مكاسب و مصالح الدول الداعمة لهم و التي ذرفت الدموع في البداية على الشعب السوري ووضعوا الخطوط الحمر للنظام و حذروه من تجاوزها و لكن وعودهم ذهبت أدراج الرياح و إنكشفت آلاعيبهم و خداعهم و غشهم و ظهروا على حقيقتهم عندما وضعوا لسانهم في حلقهم يوم الشدة و خاصة عندما اجتاز النظام خطوطهم الحمر التي رسموها لأنفسهم، و هكذا فإن مجموعاتهم اليوم تتقاتل فيما بينها من أجل توزيع الغنائم و يذبحون بعضهم البعض باسم الله و الوطن و الفقراء.
و لأن هذه الجماعات المسلحة لا تعنيها الوطن و لا يهمها المواطن بشئ بل إن ما يهمها هو مستقبل جماعاتهم و تنظيماتهم التي أصبحت دولية تتداخل فيما بينها و تنفذ أجندة أقليمية و دولية للإنقضاض على أحلام الشعب و السيطرة على مقدرات الوطن و استخدامها في خدمة مشروعهم السياسي الديني و الطائفي في هذه الفوضى العارمة التي تعم البلد، الأمر الذي جعل من هذه المجموعات في صدام مع الجميع سواء كان النظام أو الجيش الحر أو حتى المواطنين من أبناء المناطق على أمل أن تنتهي العملية لمصلحتهم و هذا ما جعل الشعب يفكر في سحب الشرعية منها و إغلاق مناطقهم بوجه الجماعات المسلحة و التي كانت في البداية بمثابة حاضنة شعبية لها و لهذا سوف يسقط رهان تلك المجموعات بسبب فقدان تلك الحاضنة .
و لكن بالمقابل فإن وجود هذه الحركات على الأرض و حملها للسلاح و نوعية قتالها و تتمتعها بالقوة المسلحة و المدربة نوعاً ما ،ما هي إلا قنبلة مؤقتة قابلة للإنفجار في أي وقت سواء في سوريا أو البلدان المجاورة و حتى البعيدة الأخرى من البلدان التي أنضم معظم الراديكاليين فيها إلى تلك الجماعات و عودتهم تشكل خطراً على أمنهم القومي بالدرجة الأولى
و لهذا فإن الغرب لم و لن يفكر في القيام بأية مغامرة لإسقاط هذا النظام إلا عندما تتحقق من وجود نخب سياسية و عسكرية تستطيع ضبط الأوضاع و السيطرة عليها للقيام بدورها بعد سقوط النظام في الحفاظ على الدولة و مؤسساتها لعدم استنساخ تجربة العراق و لكنها لن تغامر بأي حرب و لا يزال على الأرض واضحاً ضعف قوى المعارضة و عدم قدرتها في السيطرة على الأوضاع بسبب تفككها و قوة الجماعات المسلحة المتشددة.

04.10.2013

(110)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي