أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل تنقصنا الأحزاب؟

يتنادى بعض السوريين لتشكيل أحزاب أو تكتلات سياسية جديدة، الأمر الذي يطرح عددا من التساؤلات، فهل السوريون بحاجة فعلا إلى تنظيمات سياسية جديدة؟ ألا تعج البلد بالتنظيمات السياسية القديمة والجديدة، الموالية والمعارضة، المعتدلة والمتطرفة، الدينية والعلمانية، القومية والماركسية؟ وماذا فعلت تلك التنظيمات لسوريا وأهلها قبل الثورة واثناءها؟ وهل إضافة تنظيمات جديدة سيصنع فرقا؟..... أسئلة كثيرة تستحق التفكير.

صحيح أنه لدينا الكثير من التنظيمات السياسية، لكن الصحيح أيضا أنه لدينا القليل جدا من السياسة، وأن الحياة السياسية شبه معدومة... فالأحزاب والتشكيلات السياسية حاضرة بقوة شكلا وعددا، لكنها غائبة بقوة فعلا ومضمونا، بمعنى أن كل هذه الأحزاب والتشكيلات ما هي إلا أشكال فارغة المضمون، ظواهر صوتية لا أكثر، وتأثيرها على مسار الأحداث يداني العدم.

فاجأت الثورة جميع القوى السياسية كما فاجأت غيرهم، وأدخلتهم في امتحان قاس وحاسم، فكشفت ضعفهم وقلة حيلتهم وعدم قدرتهم على الفعل والتأثير.. وها هي الثورة مستمرة منذ أزيد من ثلاثين شهرا، والقوى السياسية ما زالت على تخبطها وعجزها وفشلها، تنشيء الإئتلافات باشكال مختلفة وأسماء مختلفة، لكنها سرعان ما تتلاشى وتضمحل ويتضح عجزها، تماما مثل من أنشأها، وهل يمكن لفاشل محترف أن يصنع نجاحا؟

والبلد يمر بمرحلة هي الأخطر والأصعب في تاريخه، مرحلة صراع الشعب مع نظام فائق الشراسة والوحشية، وسينتقل بعدها إلى مرحلة انتقالية لا تقل حساسية وخطورة، تنقله من حالة الاستبداد والخراب المعمم إلى حالة الحرية والديمقراطية، ثم في مرحلة تالية سيكون بأمس الحاجة إلى ترسيخ دعائم دولته المدنية الديمقراطية الوليدة، لتكون قابلة للاستمرار والتطور، وكل هذه المراحل لايمكن إنجازها بالشكل المطلوب بدون حياة سياسية نشطة ومشاركة سياسية واسعة ووعي سياسي متقدم، الأمر الذي يتطلب وجود تنظيمات سياسية معافاة تتمتع بالمصداقية والقدرة على الفعل والتأثير، وهذه غير موجودة.

إذن نعم، ثمة بحاجة ملحة إلى أحزاب جديدة، لكن بمضمون جديد وطريقة جديدة في التفكير والعمل، والبداية تكون بدراسة تجارب القوى السياسية الموجودة، ومعرفة أسباب إخفاقها وتحليل نقاط ضعفها، والاستفادة من تلك التجارب لمباشرة أحزاب سليمة معافاة لا تحمل في داخلها بذور فشلها... وفي هذا الصدد يمكنني قول ما يلي:

- إن الإيديولوجيا، بكل أشكالها الماركسية والقومية والدينية..، كانت سببا أساسيا من أسباب انعدام التفكير والإبداع والتجديد لدى الأحزاب.. مما دفعها إلى التقادم والموت العملي، والخروج من دائرة الفعل والتأثير.
- إن غياب الحياة الديمقراطية داخل التنظيمات السياسية، وغياب ثقافة الحوار والمشاركة، أفقدها القوة والمناعة والحيوية والمرونة، وكان ذلك على رأس أسباب فشلها.
- إن سيطرة العقلية الفردية وغياب العقلية المؤسساتية عن حياة الأحزاب، حوّلها إلى مجرد دكاكين سياسية يديرها القائد التاريخي ويتحكم بها على هواه، لذلك لا بد أن تُبنى الأحزب كمؤسسات، وتدار بعقلية المؤسسات، بمعنى أن تكون النظم والقوانين الداخلية هي الأطر التي تدار من خلالها، وهي المرجعية لعملها، وليس الأشخاص، والنظام الداخلي على رأس هذه النظم.
- إن غياب الرؤية والأهداف الواضحة والمفهومة والقابلة للتحقق والقابلة القياس، والتي تبنى عليها الخطط والاستراتيجيات والبرامج، يؤدي إلى ضلال الطريق وضياع الجهود، والوصول إلى مكان آخر. مع الحرص على أن لا تتحول الأهداف إلى أصنام مقدسة، وأن تكون خاضعة دائما للتفكير وإعادة النظر. 
- إن غياب الإدارة العلمية عن الأحزاب هو عامل حاسم في فشلها مهما امتلكت من عوامل القوة والنجاح الأخرى، فلا بد أن تكون هناك إدارة تعرف كيف تصل إلى أهدافها ضمن الظروف والإمكانات المتاحة، وكيف تضع الخطط والبرامج لذلك، وكيف تنفذها، وكيف تقيس الإنجازات وتصحح الانحرافات، مستفيدة من معطيات علوم الإدارة، تماما مثلها مثل أي مؤسسة اقتصادية أو خدمية، بمعنى أن أي نشاط مهما كان، لديه أهداف يريد تحقيقها فعليه استخدام مبادئ وتقنيات ومعطيات علم الإدارة للوصول إلى أهدافه.
- إن غياب النقد داخل الحزب سبب هام آخر من أسباب فشله، لأن النقد وما يترتب عنه من مراجعة وإعادة نظر هو وسيلة فعالة لاكتشاف العيوب واوجه القصور وتصحيحها في الوقت المناسب، مما يضمن عدم حدوث انحرافات خطيرة.
- إن التسرع وحرق المراحل يؤدي إلى انتكاسات شديدة ومميتة، ولا يقيم أساسات متينة، والأفضل والأكثر أمانا هو العمل المتدرج التراكمي الهاديء حتى في الظروف الضاغطة والملحة.
- الانضباط والشفافية والمساءلة والمراجعة وإعادة النظر، مباديء هامة يجب تعزيزها في ثقافة الحزب لأنها ضمانة لبقائه بحالة صحية سليمة.

البلد فارغ من الأحزاب الحقيقية الحية الفاعلة، القادرة على الخوض في معترك السياسة، والقادرة على التفاعل مع الناس وتمثيل طموحاتهم.. أحزاب وطنية ديمقراطية، سلاحها الفكر والمعرفة والعلم، وإمامُها حرية الإنسان وحقوق الإنسان وتقدم الإنسان وسعادة الإنسان. 
 

(122)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي