"رايتس ووتش" تدخل "الثقب الأسود" للنظام، وتروي بعض قصص المعذبين في سجونه

بدأت أكبر منظمات حقوق الإنسان وأشهرها، اليوم الخميس، حملة إلكترونية تحت عنوان "داخل الثقب الأسود السوري"، الهادفة إلى إلقاء الضوء على مصير عشرات آلاف المعتقلين في سجون بشار الأسد، والذين امتد اعتقال الكثيرين منهم لفترات طويلة وتعرضوا للتعذيب.

وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن نظام دمشق يقوم دون وجه حق باحتجاز الآلاف من المعتقلين السياسيين على غير أساس سوى نشاطهم السلمي، موضحة أن حملتها ستتولى سرد القصص الخاصة بـ21 سوريا احتجزهم النظام منذ بداية الثورة السورية، وجميعهم اعتقلوا دون أي جرم، سوى ممارستهم لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي أو توفير الرعاية الطبية لأشخاص أصيبوا أثناء الاحتجاجات، والمأوى لأشخاص نزحوا بفعل النزاع.

وقالت "رايتس ووتش" أنه يجب على النظام إسقاط التهم الموجهة إلى المحتجزين السياسيين الذين تحاكمهم المحاكم الميدانية العسكرية، ومحاكم مكافحة الإرهاب المقامة منذ يوليو/تموز 2012.

وقال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "خلف الوحشية المروعة للقتال في سوريا، يتوارى انتهاك حقوق المعتقلين السياسيين، الذين يجري اعتقالهم وتعذيبهم، بل قتلهم، جراء انتقادهم الحكومة سلمياً ومساعدة المحتاجين. لقد صار الاحتجاز التعسفي والتعذيب من المهام التي اعتادت عليها قوات الأمن السورية".

ويعطي لجوء النظام إلى التعذيب بشكل ممنهج دليلاً قوياً على سياسة رسمية من شأنها أن تعد جريمة ضد الإنسانية، بحسب المنظمة، ما يوجب على الحكومات المعنية التصريح بأن نظام دمشق والمسؤولين عن الانتهاكات سيواجهون العدالة في النهاية جزاء على أفعالهم.

وأوضحت "هيومن رايتس" أن قوات النظام قامت بعمليات اعتقال تعسفي وتعذيب بحق بعض العاملين بالمستشفيات الذين كانوا يستقبلون المتظاهرين الجرحى، وبحق رجال أعمال محليين كانوا يجمعون التبرعات لشراء أغطية للنازحين، وبحق مطوري برمجيات كانوا ينادون بحرية التعبير على الإنترنت، ومعظم المعتقلين من الرجال، لكن النساء والأطفال لم يسلموا.

وأضافت: يحبس النظام المعتقلين السياسيين لشهور دون توجيه اتهامات إليهم، ويعذبهم ويسيء معاملتهم ويمنعهم من التواصل مع محاميهم أو عائلاتهم، ويترك ذويهم في حالة من القلق على معرفة مصيرهم.

في إحدى الحالات قامت عناصر يُظن أنها من المخابرات الجوية باعتقال يحيى شوربجي، عامل البناء الذي يبلغ عمره 34 سنة، والمعروف في بلدة مسقط رأسه داريا بـ"أبو الورد" لأنه كان يوزع الزهور على قوات الأمن أثناء الأيام الأولى للثورة. رفض مسؤولو النظام منح عائلة شوربجي أي معلومات عنه أو عن أخيه محمد، منذ اعتقالهما مع ثلاثة نشطاء آخرين ضمن مجموعة تسمى شباب داريا في سبتمبر/أيلول 2011، توفي واحد من الخمسة، هو غياث مطر، أثناء الاحتجاز في غضون أيام من اعتقاله.

في يوليو/تموز 2012 تبنى النظام قانوناً فضفاضاً لمكافحة الإرهاب يجرم كافة أنشطة المعارضة السلمية تقريباً، وقد استغلت محكمة مكافحة الإرهاب حديثة الإنشاء، والمحاكم الميدانية العسكرية الأقدم، لاستهداف النشطاء ومعاقبة المعارضة السلمية. يحرم كل من هذين النظامين المتهمين من الحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة، وتوجه الاتهامات أمام تلك المحاكم تحت ستار الأمن أو مكافحة المعارضة المسلحة، لكن المزاعم تتعلق في الواقع بتوزيع المعونات الإنسانية والمشاركة في مظاهرات سلمية وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان.

وواصلت "هيومن رايتس"" في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول استؤنفت محاكمة مازن درويش وأربعة من زملائه في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أمام محكمة مكافحة الإرهاب بتهمة "الترويج لأعمال إرهابية". تقرر لائحة الاتهام ضدهم، التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش، أن التهم تستند إلى أنشطة من قبيل رصد الأخبار المنشورة إلكترونياً وإذاعة أسماء الموتى والمختفين.

أثناء إجراءات المحاكمة يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول، قام القاضي الذي يترأس الجلسة بتأجيل المحاكمة للمرة الرابعة على التوالي، متذرعاً بتأخر قوات الأمن في الرد على أسئلة المحكمة.

امتد حبس "درويش" واثنين من زملائه، هما حسين غرير وهاني الزيتاني، منذ فبراير/شباط 2012. وقال محتجزون سابقون احتجزوا مع الرجال الثلاثة إن السلطات عرضتهم للتعذيب وأشكال أخرى من إساءة المعاملة. كما تم توجيه الاتهام إلى زميلين آخرين ثم أفرج عنهما على ذمة المحاكمة.

من القضايا المقدمة الأخرى قضية باسل خرطبيل، وهو سوري من أبوين فلسطينيين اعتقل في 15 مارس/آذار 2012 في دمشق، أسس خرطبيل، وهو مهندس حاسبات آلية، "المشاع الإبداعي في سوريا"، وهي منظمة لا تهدف للربح كانت تساعد الناس على التشارك القانوني في الأعمال الفنية وغيرها باستخدام أدوات مجانية. قال أحد أقارب خرطبيل لـ هيومن رايتس ووتش: "لم تتغير حياتي فحسب بعد اعتقال باسل، بل تجمدت في الزمن حرفيا".

لم يزود المسؤولون عائلة خرطبيل بأي معلومات عن مكان احتجازه أو أسبابه حتى 24 ديسمبر/كانون الأول 2012، عندما نقلوه من سجن صيدنايا العسكري حيث تم تعذيبه إلى سجن عدرا المركزي بدمشق. تجري محاكمة خرطبيل أمام محكمة ميدانية عسكرية.

وقال محتجزون سابقون لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي الأمن عذبوهم بإرغامهم على اتخاذ أوضاع مجهدة، وبالانتهاك الجنسي، بما في ذلك عن طريق الاغتصاب والصدمات الكهربية على الأعضاء التناسلية، والضرب بالعصي والأسلاك والقضبان المعدنية. كما وصفوا أساليب وأدوات خاصة مثل الشبح وبساط الريح والدولاب، يعرف عن الحراس والمحققين السوريين استخدامها في مراكز اعتقال تشمل أرجاء البلاد، وبحسب مركز توثيق الانتهاكات، وهو مجموعة رصد سورية، تأكدت وفاة ما يقرب من 1200 شخص أثناء الاحتجاز.

سبق لـ هيومن رايتس ووتش توثيق مواقع 27 مقراً للاعتقال في أرجاء سوريا، حيث قام أفراد قوات الأمن بتعذيب مدنيين. وقد حدد التقرير الجهات المسؤولة عن تلك المقار، وأسماء قادتها في حالات كثيرة.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه، إضافة إلى الإفراج عن كافة المعتقلين دون وجه حق، يتعين على النظام أن يتيح لمراقبي الاحتجاز الدوليين المعترف بهم الوصول الفوري دون عوائق إلى كافة مقرات الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. ويجب أن يشمل المراقبون أشخاصاً من مكتب الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ومن لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا.

كما يتعين على الحكومات المعنية أن تضغط على نظام دمشق للإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح للمراقبين بالوصول إلى مقرات الاحتجاز، وعلى الحكومات استغلال القنوات الدبلوماسية والجزاءات محددة الهدف ضد الأشخاص المتورطين بمزاعم ذات مصداقية في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، كما قالت هيومن رايتس ووتش.

وأكدت المنظمة أنه ينبغي للحكومات المعنية أيضاً أن تؤيد قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع أولئك الذين يتحملون أعظم المسؤولية عن الانتهاكات في سوريا، وملاحقتهم قانونيا.

وقال جو ستورك: "يجب على كافة الحكومات، ولا سيما الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أن تضع محنة آلاف المعتقلين السياسيين على رأس جدول أعمالها في النقاشات الدبلوماسية. وينبغي لمن يمتلك نفوذاً لدى الحكومة وكذلك لدى قوات المعارضة أن يضغط عليهما للإفراج عن جميع من يحتجزونهم دون وجه حق".

زمان الوصل
(89)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي