لم أكن أتصور نفسي يوما أني سآخذ قلمي لأكتب حول هذا الموضوع الرديء والبذيء وهو موضوع أكذوبة جهاد النكاح المرتبط بسلسلة الإشاعات التي أنتجت في مخابر شبيحة البعث السوري بالتعاون مع المخابرات الإيرانية بغية إنقاذ النظام الدموي في سوريا الآيل للانهيار.
لقد تجنبت التطرق لهذا الموضوع لأني كنت أعتقد جازما أن مثل هذه الأكذوبة لا يمكن أن تنطلي إلا على السذج أو على مرضى القلوب، وهذه الفئة من الناس لست معنيا بتاتا بالكتابة لها أو الكتابة عنها، لأن في ذلك مضيعة للوقت واستهلاكا للجهد بدون فائدة. وكنت أرى دائما أن الكتابة عن استحقاقات الثورة الاجتماعية والاقتصادية وكشف أعدائها المعلنين من سياسيين وإعلاميين ومخابرات أجنبية هي أولوية الاولويات في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ الثورات العربية.
إلا أن تواتر هذه الأكذوبة السفيهة وتداولها على ألسن السياسيين والمثقفين بين مصدق مستهزئ ومكذب متعجب دفعني دفعا للكتابة في هذا الشأن بما توفر لدي من معلومات ومعطيات لعلي أنزع الغشاوة عن أعين المترددين بين التصديق والتكذيب وأساهم في سقوط هذه الأكذوبة الإشاعة التي طرب لها سقط المتاع ورعاع الناس.
فقد سقط بعض السذج وبسطاء العقول في تصديق هذه الفرية الغريبة والعجيبة التي لم يقل بها الأولون ولا الآخرون ولا حتى المتعثرون والفاشلون في دراسة التاريخ وعلوم الدين.
ابتدأت الحكاية أو الاكذوبة أول مرة على شبكة "تويتر" وما أدراك ما شبكة "تويتر"، حيث تتكاثر وتتوالد خليات النحل للمخبرين وعملاء شبكات الاستخبارات العالمية التي تبث الخبر الكاذب والإشاعة بعد صناعتها و إتقانها في مطابخ الأجهزة التجسسية ويتم ذلك بأسماء مستعارة أو بأسماء حقيقية ولكنها أسماء كاذبة تنتحل صفة أسماء شخصيات معروفة في عالم الفكر والثقافة والسياسة لكي يسهل تصديقها وتمرر الخديعة وقد سبق أن وقع الاستاذ الكبير عبد الباري عطوان أكثر من مرة في حبال هذه الأجهزة الماكرة.
فقد سبق أن تم تداول تعليقات ومواقف سياسية باسم عطوان على شبكة "تويتر" تساند هذا الطرف السياسي أو ذاك وقد كان الأستاذ عبد الباري عطوان وهو نادر الإبحار على شبكات النت يتلقى في عشرات المكالمات اليومية ليقول له أحباؤه وأصدقاؤه لماذا قلت هذا الكلام ولماذا صرحت بهذا الموقف وهو يقسم لهم في كل مرة بأغلظ الأيمان أنه لم يصرح بذلك ولم يقل ذلك الكلام حتى ظن البعض أن عطوان يغالط الناس ويناور مما أدى به إلى أن يصدر بيانا عاما للناس ينكر فيه جملة وتفصيلا كل الكلام الذي نسب إليه
وربما لا يعلم الأستاذ عطوان الى الآن أن سبب البلاوي والمشاكل التي لحقته وتابعته ناتجة عن حساب وهمي يحمل اسمه الشخصي على شبكة "تويتر" أنشأه جهاز مخابراتي عربي للتأثير في مجريات الثورات العربية نظرا للمصداقية والشعبية التي يحظى بها هذا الصحفي الكبير عند الرأي العام العربي.
وبنفس الطريقة وبنفس التقنية قام الخبثاء من أجهزة بعثية مخابراتية بإنشاء حساب وهمي أوائل سنة 2013 باسم الدكتور محمد العريفي وقاموا بنشر تغريدة حول ما سمي لاحقا من مخابرات البعث وحلفائه من مخابرات إيران بفتوى "جهاد النكاح" وهي أقوال قبيحة وبذيئة لا تصدر من عاقل بل هي من أعمال حاقد أعجزته الحجة والبيان.
لقد كان الدكتور محمد العريفي رغم احترازنا حول بعض مواقفه من أوائل الذين شددوا الخناق على النظام السوري وفضحوه وحرضوا عليه ..وقد كان النظام السوري على يقين سياسي أن الثورة التونسية هي سبب كل بلاويه خاصة بعد أن قطعت تونس الثورة العلاقات الدبلوماسية مع نظامه الدموي واحتضنت أول مؤتمر لأصدقاء سوريا وطالبت الأسد بالتنحي عن الحكم طوعا أو كرها.
وهذه من العوامل الأساسية التي دفعت شبيحته ومخابراته بالتعاون مع عملائه في تونس من الذين درسوا في سوريا وتيّموا بحزب البعث وهم غير قليلين من إطلاق هذه الأكذوبة وتسريبها في مواقع الإنترنيت والمنتديات وقد تولت قناتا "الجديد و"الميادين" وغيرهما من الفضائيات القريبة من البعث ومن المخابرات الإيرانية بمزيد دق إسفين الأكذوبة بتأجير فتيات قاصرات للإدلاء بشهادات تلفزية مفبركة وكاذبة مقابل حفنة من المال القذر.
إن العصبية الطائفية العلوية والشيعية تحالفت سياسيا ومذهبيا لرمي المحصنات بالإفك مستعملة الآلة الإعلامية على نطاق واسع، ويعتبر ذلك مكيدة مذهبية ضد السنة بعد أن كشف العالم دعارة ما يسمى عندهم بزواج المتعة فأرادوا تلطيخ المذهب السني كما تلطخ به مذهبهم من دعارة متسترة تحت مسمى المتعة، ولست ممن يتبنى النظرة المذهبية الطائفية بين المسلمين لولا أن غلاة الشيعة تجاوزوا حدودهم الأخلاقية وهم يدافعون عن النظام السوري الطائفي بشراسة وبهتان منقطع النظير، وكان لا بد من إسكاتهم وإلقامهم الحجر.
إن بداية أكذوبة "جهاد النكاح" كانت تغريدة وهمية من حساب وهمي للدكتور محمد العريفي وكان الغرض منها ضرب عصفورين بحجر واحد فالهدف الأول هو تشويه محمد العريفي أعدى أعداء حزب البعث السوري وفاضح خزعبلات الشيعة والهدف الثاني هو استهداف الثورة التونسية في نسائها وحرائرها اللاتي كن في الصفوف الأمامية
للمظاهرات التي أطاحت بأول حلقة من سلسلة الديكتاتورية العربية.
والذي يملك حسابا في شبكة "تويتر" ويعرف جيدا تقنيات استخدامه يعلم جيدا أن التغريدة لا يمكن أن تتجاوز 140 حرفا أما التغريدة الوهمية للحساب الوهمي للدكتور العريفي فقد قاربت 200 حرف، ما يعني أن حامل إفك الأكذوبة متمكن من البرامج الإعلامية وله قدرات على التلاعب بالمواقع الاجتماعية وهذا ليس في متناول المستخدمين العاديين.
لقد عجبت أول أمس لوزير الداخلية التونسي الذي نكن له احتراما خاصا وهو يتحدث عن أكذوبة "جهاد النكاح" وكأنها حقيقة واقعة ويمعن في ذكر تفاصيل ووقائع أقرب منها لبيوت الدعارة من شيء آخر، وأشفقنا عليه أن يكون ضحية لمثل هذه المغالطات الموصوفة فأكذوبة "جهاد النكاح" هي فتوى بذيئة أطلقها جهاز استخبارات البعث السوري وإيران المتحالفة معه بمعونة عملائه في تونس واستأجروا فتيات قاصرات مقابل المال للتصريح التلفزي لتمرير هذه الأكذوبة على بسطاء الناس، وقد سبق أن كشفت إعلامية مستقيلة من قناة "الميادين" وهي الفضائية المقربة من المخابرات البعثية والإيرانية في شريط فيديو منذ مدة أن هذه الفرية طبخت في مطابخ المخابرات والإعلام المأجور بغية الإساءة للثورة التونسية وتشويه سمعة نساء وبنات تونس فهل يبقى بعد هذه الشهادة بيان أو كلام.
*كاتب تونسي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية