يحكى أن اتفاقية مشؤومة، نصّبت منظمة كانت "الممثل الشرعي والوحيد" لأحد الشعوب العربية.. نصّبت تلك المنظمة "شرطيا" للمحتل، فكان على تلك المنظمة التي تحولت إلى سلطة أن تدين أي هجوم على المحتل قبل أن يدينه المحتل، بل وبلغة أقوى منه!
ويحكي أن "ائتلافا" تشكل تحت عنوان "قوى الثورة والمعارضة السورية"، بات جل همه أن يسعى للتشبه بتلك المنظمة، بعد أن حظي هذا الائتلاف وللمفارقة بنفس الصفة من عدة دول "الممثل الشرعي" و"الوحيد".
ويحكى أن الائتلاف وفي إطار مساعيه للانتقال إلى مرحلة "السلطة" على ما يبدو، بات أكثر حرصا على "إدانة" و"شجب" و"استنكار" ما قد يحدث من هفوات وأخطاء الثوار، بوتيرة أسرع من استنكاره لجرائم النظام، ولنا في حادثة "خان العسل" وغيرها مثال.
ولكن الذي "حرك المواجع" واستدعى هذه المقاربة وتشبيه الائتلاف بتلك "السلطة"، هو البيان الأخير، الذي سارع فيه الائتلاف إلى "إدانة" ما وقع في إعزاز من جانب "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، رغم أن هذه الإدانة لا تحمل أي وزن على الأرض، إذ ليس للائتلاف ناقة ولاجمل في شؤون الميدان، كما يعلم ذلك يقينا كثير من القائمين في الخنادق.
وقد تبين أكثر عقم هذه الإدانة من طرف الائتلاف، سرعة محاصرة الكتائب والثوار لفتنة الاقتتال، دون انتظار لمشورة أي سياسي من الائتلاف أو غيره، انطلاقا من أن أهل "الخنادق" أدرى بشعابها، وانطلاقا من حقيقة "مرّة" ولكنها معاشة وهي أن لا سلطة لأي سياسي مهما كبر على عسكري أو ثوري مهما صغر، فلم يصر الائتلاف والمعارضة السياسية على اللعب في ميدان ليس بميدانهم؟.
ورغم أن ما حصل في اعزاز وما حصل قبلها أو ما قد يحصل بعدها من اقتتال، هو أمر مدان وبكل المقاييس وأيا تكن مبررات جميع المشتركين فيه، فإن القاعدة العملية تقول إن من انشغل بما لايستطيع التأثير فيه، فرّط في العمل الذي أوكل إليه والحقل الذي يستطيع الفعل فيه، وهذه هي حال الائتلاف حين ينشغل بحادثة مثل خان العسل أو اعزاز والتي لها ملابسات ميدانية لايعلم دقائقها إلا من يقفون على الأرض، فيما يترك (أي الائتلاف) ملعبه السياسي خاليا أو شبه خال.
ولنأخذ مثلا بجهود الائتلاف فيما خص موضوع الكيماوي، حيث لم نر إلا قليلا من الثمار "الهزيلة"، بعد أن قرر الائتلاف وضع "كل بيضه" في سلة الضربة، وعندما لم تحدث (أجلّت أو ألغيت!)، بدأ يشتكي وينوح، علما أنه لم يكن ينبغي للائتلاف أن ينشغل بأي شيء سوى "تظهير" صورة مجزرة الكيماوي في الغوطة، وإيضاح شناعتها في عيون وعقول الناس في أي مكان يستطيع الوصول إليه ومخاطبة جمهوره.
وفي نفس السياق بدا الائتلاف وكأنه مؤسسة معنية بشؤون قبائل التوتسي، وليس الشعب السوري، حينما "انهمرت" أنباء تواطؤ حكومات غربية في تزويد نظام بشار بمواد ساعدت في بناء ترسانته الكيماوية، بدءا من هولندا مرورا ببريطانيا، وأخيرا وربما ليس آخرا ألمانيا.. كل هذا يحدث ولم يسمع أي سوري للائتلاف صوتا، ولم يقرأ بيانا يطالب بتوضيح جدي من تلك الحكومات، على الأقل من باب أن الائتلاف هو "الممثل الشرعي"، وأحيانا "الوحيد" للشعب السوري؟
أقول وبكل أسف، إن الآسفين على "ضياع" وقت السوريين مع "الائتلاف" ومن قبله "المجلس" يزداد عددهم يوما بعد يوم، وقد لايأتي يوم يبقى فيه للائتلاف من مؤيد إلا أعضاء الائتلاف أنفسهم، بل وربما بعض الأعضاء فقط، حيث أبدى بعض الأعضاء وما زالوا اعتراضهم الشديد على عمل الائتلاف و"سياسته"، التي لا تدرك -أو لاتريد أن تدرك- "فقه الأولويات"، فتقدّم خان العسل على القصف بصواريخ سكود، وتنشغل عن الكيماوي الرهيب بأحداث اقتتال سرعان ما طُوقت.
هل يحق للسوريين أن يخافوا من تحول الائتلاف إلى "سلطة"، تقسو على الضحية وترأف بالجلاد.. هذا آخر ما يتمنى السوريون أن يروه في بلادهم، وهذا ما ينبغي على الائتلاف أن يتدارك وقوعه، وإلا فإن علامة الاستفهام التي جاءت في آخر عنوان المقال لن يكون لها داع، وستصبح الجملة كالآتي: الائتلاف.. "سلطة" ثانية.
إيثار عبد الحق - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية