كي لا نصبح جميعا "أبو صقار"

لا أنوي إحياء ذكرى حادثة أبو صقار السيئة الصيت بعد أشهر من حدوثها، لكنني أجدها مدخلا جيدا لما سأتناوله في هذه المقالة.
وأبو صقار، لمن لا يتذكر، هو أحد مقاتلي الكتائب المحاربة في حمص، وهو من قام بشق جسد أحد القتلى من شبيحة النظام وانتزاع قلبه والتظاهر بأكله، في مشهد ناتئ بوحشيته وقسوته.
قصة أبي صقار تشبه قصة "لا تقربوا الصلاة"، فالجميع توقف عند الحادثة بحد ذاتها دون أن يكلف نفسه عبء البحث في الخلفيات والدوافع، وفهم كيف يمكن لبشري من لحم ودم أن يصل إلى هذه الدرجة من الوحشية والفظاعة.
انتشر مقطع الفيديو الذي يصور الحادثة بسرعة البرق وجاب أركان الأرض، وشاهده الجميع وذهل به الجميع واستنكره الجميع، وتسابقوا إلى إدانته، بمن فيهم أصدقاء أبو صقار المحاربين معه في كتيبة عمر الفاروق.
واستغل النظام وحلفاؤة الحادثة أحسن استغلال، وها هو بوتين يحرص أن يتحدث لمن يلتقي بهم عن آكل القلوب ويقدمه كنموذج عن المعارضة المسلحة وعمن سيحكمون سوريا فيما لو رحل الأسد.
لا أعرف أبو صقار ولا أريد معرفته، وأدين فعلته بأشد عبارات الإدانة، وأعتبر أنه، إضافة لوحشيته، قدم خدمة للنظام لا تقدر بثمن،... لكنني أجزم بأنه كان قبل أشهر إنسانا عاديا ككل الناس، وهذا ما أكدته صحيفة الإنديبندنت البريطانية في دراسة أعدتها عن الرجل، أشارت فيها أنه كان في طليعة المتظاهرين في حمص الرافضين لانضمام جبهة النصرة إلى الثورة السورية، وكان من المعارضين الأشداء لرفع الشعارات الطائفية في التظاهرات... فما الذي حول هذا الإنسان الطبيعي إلى وحش مفترس؟
الإجابة تكمن في ما حصل للسوريين خلال الأشهر الثلاثين الفائتة على يد نظامهم الدموي القاتل، ثلاثون شهرا من العنف والقتل والقصف والدمار والدماء والدموع والخوف والموت والجوع والتشرد.. ثلاثون شهرا بلا توقف، بلا شفقة، بلا رحمة بلا إنسانية.. ثلاثون شهرا من المجازر المستمرة والمتنقلة من مكان إلى آخر... إنه وقت أكثر من كاف لاستحكام اليأس وفقدان الأمل، إنه وقت أكثر من كاف لسحق كل عوامل الخير والطيبة والإنسانية من النفوس وتسيد كل عوامل الكراهية والحقد والشر الكامنة... أنه وقت أكثر من كاف لتحويل كل سوري إلى أبو صقار.
يتحمل الجميع مسؤولية صناعة هذا الوحش المسمى أبو صقار، ومسؤولية تحويل معظم السوريين إلى وحوش.
تبدا المسؤولية بمسبب الجريمة ومولدها ومنبعها، النظام، قيادة وأمنا وجيشا وشبيحة.. وجميعهم أشد وحشية من أبو صقار بأضعاف.
فماذا نقول عن القناص الذي يقتل أي شخص يتحرك في مرمى بندقيته دون أن يعرف عنه شيئا؟ وقد يكون القتيل طفلا أو امرأة أو مواليا... وقد يكون أبا خرج يسعى وراء ربطة خبز لأسرة تتضور جوعا؟ وماذا نقول عن قائد دبابة يحرص أن يكون فرن الخبر أول أهدافه؟ وماذا نقول عن طيار يلقي براميله المتفجرة على المناطق السكنية ويدفن الناس تحت أنقاض بيوتها؟ وماذا نقول عمن أطلق الصواريخ المحملة بغاز السارين ليقتل أطفالا نياما على بطون خاوية؟ وماذا نقول عن سجان يتفنن ويتلذذ بتعذيب سجنائه حتى الموت؟ وماذا نقول عمن يحاصر المعضمية منذ ثمانية أشهر ويمنع عنها الماء والطعام، ويحول أطفالها إلى هياكل عظمية؟ وقبل هذا وذاك ماذا نقول عن أصحاب القرار وراء كل هذه الفظائع؟ فهل يصح اعتبار ما قام به أبو صقار أكثر وحشية؟
وتستمر المسؤولية بالمجرمين المساعدين، حلفاء النظام، الذين قدموا له كل الدعم العسكري والمادي والديبلوماسي لخدمة مشاريعم ومصالحهم.
ثم بشخوص المعارضة الخفيفة الفاشلة، التي لم تستطع الإتيان بأي عمل مفيد، ولم تحظ بثقة واحترام أحد لا في الداخل ولا في الخارج.
وتنتهي المسؤولية بالمجتمع الدولي العاجز المتفرج، بدوله ومؤسساته، من أوباما الذي يقتل نفسه في الدراسة والتمحيص...إلى بان كيمون الذي يراكم قلقا على قلق.
إن الألم والقهر واليأس الذي دفع أبو صقار إلى فعل ما فعل هو نفسه الذي دفع ويدفع وسيدفع ملايين السوريين إلى القيام باشياء مشابهة، وبقاء النظام بهمجيته المنفلتة كفيل بذلك، ورحيل النظام هو نقطة التحول الوحيدة التي يمكن أن توقف هذا المسار الرهيب.
ستكون مأساة الشعب السوري وصمة عار على جبين كل العالم، المتقدم منه قبل المتأخر، والقوي منه قبل الضعيف، وسيدفع غاليا ثمن تأييده أو صمته عن تحويل ملايين السوريين إلى وحوش، لأن هذه الوحوش لا تنسى من ساهم بصناعتها.
فهل يفعل العالم شيئا قبل أن يتحول جميع السوريين إلى أبو صقار....
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية