تبدو الرقة من بعيد متعبة ، مغبرّة .. وكأنها عادت لأيام العجاج والشقاء وغياب البنية التحتية ، او في الحقيقة أنها هي كذلك الآن ، لكن الحياة فيها تسير على وقع الأمل بمجيئ يوم لا براميل متفجرة أو صوارخ، او صراعات تهبهم الموت الذي صار يلّفها من كل صوب ومن كلّ طرف. وعل ى الرغم من كل مايحدث فإن الناس أبناء المدينة وأهلها، أضحت لديهم الخبرة والتجربة في مواجهة الظروف والصعاب الكبيرة التي تعترض حياتهم التي كان من الممكن أن تكون طبيعية. لكنها اليوم، أشبه بمن ابتلي بجحيمٍ لا مفرّ منه..لكنه جحيم يوّلد تمسكاً لمن تبقى فيها يقاوم الأسباب المتوالية للفرار منها .. ولو كان حدب الموت.
جام الغضب
ما ان تحررت الرقة من قبضة النظام الامني البعثي، في لحظة فارقة مفاجئة، قبل نحو ستة أشهر من الآن، حتى باشر النظام في التعبير عن مدى وفداحة الهزيمة التي مني بها في الرقة، طردت بقاياه قبل أن يفتح عينيه، فكان حجم الخسارة مفاجئا وكبيرا له.. ففي غضون وقت قصير تحررت المدينة التي كان يرى فيها، واحدة من معاقله التي بدأ بخسرانها بدءاً من الريف الشمالي : مدينة تل ابيض، ليطوّق الثوار المدينة من كافة الأطراف، حيث طرد النظام تباعا من الريف منطقة إثر أخرى على التوالي.
لم يتوانى النظام إزاء ذلك، سوى بإمطار السكان والأحياء المدنية في الرقة ريفاً ومدينة، بحمم البارود والنار، دون أن يترك سلاحا لم يستخدمه في القصف الصاروخي والمدفعي، من صواريخ سكود، الى صواريخ جو- أرض، وأرض – أرض. فيما تقوم الطوافات بإلقاء البراميل المتفجرة، بشكل عشوائي، دونما تحديد لأي هدف. فالغاية هي الإنتقام من السوريين الذين تمكنوا من طرده، وقطع دابر سطوته واستبداده.
لايكاد يمر يوم دون أن يوجه " خلف " - كما صار الرقيون يتندرون بسخرية مرة على قيام النظام باستهداف المدينة دون تحديد هدف معين – بضرب الرقة وقتل المدنيين وتدمير المنازل والقرى والأحياء فوق ساكنيها. وطذلك ارتكاب المجازر بحق أطفال المدارس والمتعبدين في المساجد، والساعين الى لقمة العيش في طوابير الخبز وفي الطرقات .. وفي كل وقت عند الفجر، او لحظة الإفطار في رمضان، أو في العيد.. وفي كل يوم هناك شهداء.
نزوح
كانت الرقة موئلاً لقرابة مليون سوري نازح ومهجر من المدن والمحافظات السورية، التي يشدد النظام على استهدافها بصورة واسعة جدا، ويمطرها بوابل الموت من مختلف صنوف الاسلحة الجوية والبرية والبحرية. واستطاعت استضافة اعداد فاقت كل طاقاتها وامكاناتها، من حيث تأمين المسكن والغذاء والدواء والملبس، في ظل ظروف سورية صعبة للغاية.
ولكن ..حين بدأ النظام بدكها..أخذت المدينة في البدء تخلوا من الشقاء النازحين والمهجرين، الذين وجدوا أنفسهم أمام الموت والدمار مجدداً. وصار لزاماً عليهم البحث عن ملاذ ىمن جديد. لكن هذه المرة ليس وحدهم ، بل الكثير من ابناء الرقة الذين انتشروا في الأرض بحثاً عن السلامة لهم، ولأطفالهم.. وعائلاتهم. صار الريف الشمالي والمدن والبلدات التركية المحاذية للرقة: أقجاقلعة – أورفا – غازي عينتاب، ملجأً يشدون الرحال اليه بحثاً عن السلامة والأمان.
ومع ذلك .. تفجر الوضع المني في منطقة تل أبيض وما جاورها، وقذائف النظام طالت الأتراك والسوريين في داخل تركيا!
تقشف
تعيش الرقة اليوم بفعل ماتتعرض له من قصف وتدمير، وغياب الأمن..حالة من الفوضى الشاملة في ظل سيطرة الكتائب المسلحة على إدارة المدينة، وأدت عمليات السطو المنظمة الى نهب مقدرات المدينة، وسرقة مرافقها الأنتاجية والخدمية العامة اضافة الى حالات الخطف المستمرة، فوقعت المدينة في حالة من العوز والحاجة الى كل شيئ.. الغذاء والدواء، الماء والكهرباء، والوقود.
المعاناة الناجمة عن نقص شديد وحاد في الغذاء والدواء، قاد أهل الرقة الى إتباع سياسة تقشف واسعة تكاد تكون قد شملت كل شيئ مما اعتاد عليه الناس.
وقد أدى عدم وصول الدعم الإغاثي المناسب والكافي لها ألى ازدياد مخيف في الحاجة الماسة الضرورية والملحة الى الدواء والغذاء. فالمرضى والجرحى لايتوفر لهم العلاج الضروري خاصة بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة وتستوجب علاجا دائما ومكثفا ومتابعة صحية دائمة ، مثل مرضى الكلى والقلب.. وغيره من الأمراض السرطانية وما في حكمها.
غياب الدعم
في ظل هذه الظروف بالغة السوء والصعوبة التي تقسو فيها على السوريين في الرقة، تواصل المؤسسات المعنية بالإغاثة، بغض الطرف عن حجم المعاناة الكبيرن ولاتقدم إلاّ ماهو أقل القليل، مترافقا مع اللامبالاة ، وما تقدمه للأسف يأتي بناء على تدخلات الأفراد والمؤسسات ممن يتلمسون أوجاع الرقة وأهلها, ولا يتعلق الامر بالغذاء والدواء بل أيضا بغياب شامل لخدمات البنى التحتية وأعمال الصيانة الدورية للمرافق التي تقدم الخدمات للمواطنين.
أحوال مرّة
حقيقة الأمر فإن أحوال السوريين عموماً أضحت مرّة ..صعبة وقاسية، واحتمالها اصبح غير مقدور عليه سواء اكان ذلك في الداخل او الخارج، وأبناء الرقة ليسوا استثناء من ذلك. فإذا كانوا يعانون في الرقة وريفها من سطوة السلاح الذي يدير المرحلة الراهنة في ظلال الخوف والاعتقال والاختطاف..فإن احوالهم في المنافي ، وخاصة في المناطق والبلدات الحدودية، تزداد صعوبة.. فليس ثمة أحد ممن يتابع شؤونهم وأمورهم ويؤمن أسباب العيش الكريم .. وهم ابناء الجود والكرم، وابناء الحرية والكرامة.. انهم في حاجة ماسة لوضع حدّ للفوضى، تأمين الظروف الصحية والتعليمية الأساسية، وحمايتهم من عوارض الزمن وتقلباته ..والإلتفات اليهم من قبل مؤسسات المعارضة، وخاصة الائتلاف الوطني الذي لم يقم بواجبه تجاه مدينة كانت هي أولى المحافظات التي تتحرر من ربق النظام الأسدي الفاشي، فكوفئت من النظام بالانتقام .. ومن الائتلاف بالصدود عنها ..وبالإهمال !
أمرُ اضطررنا للمقارنة فيه..بكل أسف.
الرقة اليوم تختطفها الجماعات الإسلامية، الخارجة على الأجماع الثوري الوطني السوري، وتعمل في الرقة تخريباً واعتقالاً وقتلاً، اختطافاً.. وتعطيلاً لكل مرافق الحياة المدنية. انها تمارس انتهاكات واسعة، لحقوق الأفراد وحرياتهم، وحقوق المجتمع ايضاً. وما تفعله في الرقة بدأت تقوم به في أماكن أخرى من المناطق السورية الغير خاضعة لسيطرة النظام.
ماتسمى بـ " دولة العراق والشام الإسلامية " وجه آخر لنظام القهر والإستبداد الأسدي، انها مثال الظغاة الجدد !
سيطرد الطغاة.. وتبقى الرقة - رغم الظروف والمرارات - مدينة تقتات الأمل !
الرقة : أسيرة الطغاة الجدد ! ... عبدالرحمن مطر

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية