لا أدري من أطلق عليها هذا الاسم المختصر (داعش)، وما هدفه الحقيقي، لكني أعلم أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، نُسجت -وماتزال تنسج- حوله الكثير من الروايات، صدق منها ما صدق وكذب منها ما كذب.
نصف هذه الروايات أو أكثر ساعد في نسجه بل وتقبله، "الخيال الخصب" لمتلقين مشبعين بصور نمطية عن "المتشددين" و"جلافتهم"، واعتمادهم العنف، وسوقهم للناس بالسوط، وقطعهم للأعناق بالسيوف، وما شابه هذه المشاهد من أمور استقرت في المخيلات دون كثير بحث وتمحيص.
النصف الآخر من الروايات ساعد على انتشاره "السرية" التي تحيط بها "الدولة" نفسها، كأي تنظيم جهادي يخشى الاختراق، ويريد لتحركاته أن تبقى طي الكتمان، وإن كانت أضرار هذه "السرية" برأيي أكبر من منافعها، حيث إنها لم تؤت أكلها في منع الاختراق كما ينبغي من جهة، وفتحت الباب لكل مدع، ليدعي على "الدولة" كما يريد، ويخلط الغث بالسمين فيما يكتبه تجاهها، حتى "موالو" التنظيم أو مساندوه عاطفيا تضرروا من هذه "السرية"، حيث كانت تقيدهم كلما هموا بالدفاع عن عمل من أعمال "الدولة".
ومع الإصرار على هذه "السرية"، وعدم الانفتاح الإعلامي، مقترنا بالأفكار المسبقة عن أي تنظيم جهادي، أخذت سمعة "الدولة" تتضرر أكثر فأكثر، وحتى الاسم الذي اختير للتداول الإعلامي (داعش) صار مثيرا للاشمئزاز.
وفي المقابل هناك مليشيات أخرى في سوريا، انتهكت كثيرا من حقوق الإنسان جهارا نهارا، ولكنها بقيت في الظل من ناحية التشويه، فمن يهتم مثلا لما تقوم به وحدات حماية الشعب (بالمناسبة تعرف اختصارا بـ"وحش"!)، وآخرها تواطؤها المكشوف في مساعدة قوات الطاغية بشار ضد الثوار والجيش الحر، بحجة أنها تريد "تطهير" المناطق الكردية من العصابات المتشددة، تماما كما أصر بشار وما يزال على "تطهير" سوريا ممن يدعوهم الإرهابيين والوهابيين التكفريين.
اليوم، ومع مضي كل يوم، يجري تضخيم "شماعة" الدولة، حتى غدت مناسبة ليعلق عليها الكثيرون أخطاءهم، فبشار يعلق على هذه الشماعة إجرامه، و"وحش" تعلق عليها حملتها "التطهيرية" لأرض تدعي حقها "المقدس" فيها وملكيتها الحصرية لها، وقطاع الطرق واللصوص يعلقون عليها أفعالهم القبيحة، وبعض الفصائل تعلق على شماعة "الدولة" تقاعسها في قتال النظام، مقابل حميتها في قتال "الدولة"، لكن الأغرب أن "الدولة" نفسها تعلق على شماعتها الكبيرة كثيرا من أفعال عناصرها غير المحسوبة، دون أن تدري أن لهذه الشماعة -كأي شماعة- قدرة على الحمل والتحمل.
يكرر الكثيرون مقولة أن التاريخ يعيد نفسه عن قناعة تامة، لكن العقلاء فقط يعملون على أن لايكرر التاريخ نفسه عندما يتعلق الأمر بحرب مأساوية مثل "داحس" "والغبراء" التهمت نيرانها "أولاد العمومة" من عبس وذبيان لمدة 40 عاما!
والعقلاء فقط من جميع الأطراف، يستطيعون اليوم وقبل أي يوم، أن يمنعوا انزلاق سوريا إلى "داعش" والغبراء!
إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية