عدسة "باري ماتش" الرحيمة جداً لا ترى كل المشهد السوري !

لا تنفك وسائل الإعلام الغربية عن تشويه سمعة الثورة السورية وإبرازها بصورة الثورة الدموية التي يأكل أبناؤها الأكباد ويقطعون الرؤوس بالسيوف، ممارسةً لعبة تعميم الإستثناء واستثناء العام، وآخر فصول هذه اللعبة المكشوفة مانشرته مجلة "باري ماتش" الفرنسية على غلاف عددها الأخير من صورة صادمة تشبه أفلام ومسلسلات "الفانتازيا" التي اشتُهر بها "مخرج السلطان" نجدة أنزور.
وتمثل هذه الصورة "غريبة اليد والوجه واللسان" عملية إعدام ميدانية ينفذها شخص يرتدي الزي الأفغاني الأسود وهو يهمّ بقطع رأس رجل ينحني بجذعه إلى الأرض وقد لُف رأسه بقطعة قماشية، والتف حول هذا المشهد عدد كبير من الناس من ذوي السحنات والأزياء الغريبة، فأحدهم يرتدي لباساً عسكرياً مموهاً وآخر بالجلابية وثالث يلبس بنطال جنز ورابع يلبس فوق رأسه قبعة مكسيكية وقد غطى وجهه كاملاً في توليفة غريبة لا تشي بمكان حصول هذه الحادثة الأليمة ولا بزمانها، رغم أن "باري ماتش" ذكرت أن عملية الإعدام حصلت بتاريخ 31 آب 2013 والشيء الوحيد التي أرادت "باري ماتش" أن تثبته وتؤكد عليه أن الصورة من داخل سوريا وأنها موازية للرعب الذي يمارسه النظام السوري، وأن "هذه الهمجية تواجه الغرب بمعضلة فالرغبة في إسقاط بشار الأسد بحسب "ألفرد دي مونتسكيو" مراسل "باري ماتش" في سوريا يمكن أن تفتح الباب أمام الإسلاميين، ولكن "مونتسكيو" يستدرك مصححّاً: إن صورة هؤلاء المحاربين "القتلة" لا تمثل المعارضة السورية ولكنها تثير الخوف في نفوس أصحاب القرار في الغرب وتدعوهم لتقليص المساعدة والدعم للمعارضة، وتشكك تالياً في قدرة هذه المعارضة على إحداث تغيير ديموقراطي في سوريا، ومثل هذه الصور "المقززة" بحسب "باري ماتش" "تجعل الغرب يشكك اليوم في النوايا الإنسانية من "التمرد السوري" ولا تعكس النضال من أجل التحرير".
وتحاول "باري ماتش" أن تلعب على وتر العاطفة الإنسانية التي استفاقت فجأة وبعد إجرائها لحوار "تلميع" مطول مع "بطل" مجزرة حماة "رفعت الأسد" من خلال ادعاء المجلة أنها امتنعت عن عرض الكثير من الصور التي عبّر المصوّر الذي التقطها عن "شعوره بالغثيان" وعن محاولته لعدم النظر لما تلتقطه عدسته بل السعي فقط لتحديد إطار المشهد وتصويره، والتفصيل المؤلم بشكلٍ خاص الذي التقطه مصورها "مرهف الحس" كان تجمهر الأطفال في ساحة الجريمة، ووقوفهم في الصف الأول للمتفرجين كي لا يفوتهم المشهد. لقد رأى هؤلاء - بحسب المجلة- كيف يُذبح الرجل ويقطع رأسه بل رأوه أيضاً ملقى على الأرض، ويداه لا تزالان مربوطتان خلف ظهره، تحملان رأسه وتمضي المجلة في نغمة الاستعطاف الناشزة قائلة: "لقد سُلب هؤلاء الأطفال طفولتهم وهم يسمعون أحكام من نصّبوا أنفسهم حكّاماً على الناس".
لقد رأت مجموعة من الناس ومنهم أطفال شخصاً أو أكثر ينالون قصاصهم – بغض النظر عن كيفية تطبيق هذا القصاص ومرجعيته الدينية والإنسانية– ولكن من رأى آلاف الأطفال الرضع في كرم الزيتون والحولة والغوطتين الشرقية والغربية وديربعلبة والخالدية وغيرها يُذبحون بسكاكين الحقد من زوّار الليل بعيداً عن فلاشات عدسة "باري ماتش" الرحيمة جداً.؟!
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية