أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الصورة والإعلام السياسي للثورة السورية

على الرغم من اتفاق كافة المعنيين والممارسين للثورة السورية بأهمية الإعلام في تحفيز الثورة وحشد جميع الطاقات الممكنة في سبيل إنجاحها إلا أن العمل الإعلامي المرافق لعمل السياسيين السوريين المعارضين افتقر إلى أهم مقومات النجاح. 

ولا يعني هذا النقد بالضرورة اتهام الإعلام الثوري بالفشل في إيصال رسالة الثورة السورية إلى الخارج ولكنه يعني أننا لم نستطع في معظم الأحوال أن نوصل الرسائل المناسبة إلى الجمهور وإلى صناع القرار في الغرب. 

بل إن بعض الرسائل الإعلامية قد أسهمت بما احتوته من مضمون سلبي وتوقيت غير مدروس في عدد من المناسبات في حرف اهتمام المتلقي عن أساس الأحداث من كونها ثورة ضد الظلم وفي سبيل التغيير السياسي إلى التركيز على صراع الأضداد على الأرض السورية.

وفي حين قام الثوار الإعلاميون والكثير من الإعلاميين الثوار بأعمال بطولية وحتى استشهادية في سبيل إيصال صورة الحدث إلى الخارج وتوثيقها بما فيها من معلومة تظهر إجرام النظام وتحمل قيمة إنسانية استثنائية، إلا أن توظيفها لم يكن على ذات القدر من الاحتراف والمهنية. 

وإذا ما ناقشنا عنصر الصورة (Image) أو صورة الحدث كأحد مقومات الرسالة الإعلامية الحديثة ودرسنا كيف تم توظيف تلك الصورة في الإعلام -الغربي خصوصاً- لعلمنا أن ثمة تقصيرا كبيرا من جانبنا نحن المناصرين للثورة في اختيار الصورة المناسبة المعبرة عن الحدث وتحويلها إلى رمز أيقوني يختصر الكثير من الكلام والشرح وينقل نبض الشارع السوري ومعاناة أبنائه من جور النظام وهمجيته المفرطة. 

ففي أحداث تاريخية قريبة وفي ظل الحاجة الماسة لتغيير جذري في الأحداث تم تشكيل الصورة وصناعتها صناعةً ومن ثم تسويقها ونقلها في سياق سردي للأحداث وتركها لتأخذ مكانها ومكانتها حتى تفاعل وتؤثر التأثير المطلوب الذي لم يكن يترك مجالا كبيرا للانتظار. 

والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة ومن أبرزها صورة السيد بندر بن سلطان السفير السعودي في واشنطن – آنذاك- مرتدياً بنطالاً من الجينز الأزرق جالساً على يد الأريكة مقابل جورج دبليو بوش الذي جلس في القسم المنخفض من الأريكة في مزرعة الأخير إبان التحضير للحرب العسكرية الأمريكية الدولية على العراق. 

من نافل القول بأن تلك الصورة لم تكن عفوية ولم تكن مجانية أيضاً لكن تسويقها أتى بنتائج سريعة لنقل صورة عن التقارب الأمريكي السعودي في تلك اللحظة التاريخية. وعندما غزت القوات الأمريكية بغداد بأعداد صغيرة وفي سعيها السريع لحسم نتيجة المعركة أنتجت الآلة الدعائية صورة إسقاط تمثال صدام حسين في مشهد كان يفترض به العفوية والتلقائية من حيث قيام العراقيين به بأنفسهم إلا أن الصور ذات الأبعاد الكبيرة فضحت ترتيب المشهد من قبل الجيش الأمريكي ودباباته وجنوده الذين طوقوا المكان وحولوه إلى مشهد يلخص الخيط الرفيع ما بين حقبة وحقبة بأقل الخسائر الممكنة.

وفي حين تطورت ألاعيب النظام الإعلامية كثيراً خلال فترة الثورة من تغييب للحقائق على الأرض في نقله لبدايات الثورة وتقزيم حشود الثورة مقابل تكبير شراذم الداعمين للنظام انتقلت إلى فرز متحدثين مقبولين لدى المشاهد الغربي يتكلمون بلغة إنكليزية جيدة ونجح في تحديث مستوى خطابهم الضارب على وتر أسلمة الثورة وضرورة حماية الأقليات...الوتر الذي يستمع إليه الغرب بقوة وشغف كبيرين. 

والتطور الأخير تمثل في الانتقال إلى الصورة الدلالية - أو ذات الدلالة- المدروسة بعناية فائقة وسوقها إلى الإعلام الغربي عبر وسائط إعلامية عديدة منها ما كان داعماً للثورة في البداية ثم انكفأ فأضحى مناهضاً لها. 
ففي أي حديث عن المجرم بشار الأسد توضع في الخلفية صورة تظهره كرئيس دولة عصري وبرفقته زوجته أسماء ولا ينسى كاتب الخبر أو المعلق عليه أن يذكر أنه طبيب وأنه قد مكث فترة في بريطانيا وبأنه سياسته تقترب من الهدف الغربي المتمثل في مكافحة التطرف والتكفيريين والجهاديين الاسلاميين. 

إن ربط الصورة الأنيقة للمجرم بادعاء مكافحة الأصولية الإسلامية قد أتى أُكله بعد سنتين ونصف من الثورة السورية وبخاصة أن قوى مشبوهة طارئة على الثورة قد زودت شبيحة الإعلام ومناصريهم بعشرات الصور الدلالية السلبية التي تخاطفتها وسائل الإعلام الغربية وكررت بثها لعدد لا يحصى من المرات.

وفي خضم الاعتداءات السافرة لقوات الأسد على الشعب السوري في المجازر المتنقلة وبخاصة في الهجمة الكيماوية التي كشفت عن المعاناة الهائلة التي مر بها أهلنا في الغوطة ظهرت عشرات الصور ذات الدلالة الهامة وذات القيمة المضافة في حمل خطاب كامل وناجز ولا يحتاج إلى أي كلام أو تعليق لفظي أو كتابي.
ولكننا في الثورة لم نستطع أن نحول تلك الصورة الدلالية إلى أيقونات إعلامية تلخص الظلم الإنساني وتوصل الرسالة الحقيقية للثورة في سيرتها الأولى الناصعة والصافية بأنها ثورة هؤلاء الطيبين على جلاديهم ثورة أطفال ناموا حالمين بيوم جديد فلم يستقيظوا أبدا.

ومن جانب آخر وعلى الصعيد السياسي وبعد عامين ونصف من الثورة السورية والعمل السياسي الدؤوب فشل السياسيون المعارضون في صناعة أو توظيف أي صورة وتحويلها إلى عنصر محرك للأحداث أو مغير لمسارها. 

وربما تكون الصورتان الوحيدتان اللتان حملتا دلالات رمزية كبيرة قد صاغتهما إحدى الدول الإقليمية بأحداث سياسية ذات دلالة كبيرة في عمق الثورة. أولاهما صورة وفد الائتلاف على مقعد الجمهورية العربية السورية في قمة الدوحة العربية والثانية صورة افتتاح السفارة السورية في الدوحة. 

إن الشعب السوري المفعم بالطاقات والإمكانيات السياسية والإعلامية الكبيرة لقادر على جسر هذه الهوة الكبيرة في العمل الثوري الذي شهدت بداياته نجاحات إعلامية باهرة ومن غير المقبول أن تبقى هياكل المعارضة والثورية بعيدة عن أي تخطيط إعلامي وإعلامي -سياسي في الوقت الذي يتحسن فيه أداء النظام.

(111)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي