لماذا معركة معلولا ولماذا الآن؟

قلت في مقالة لي منذ أسبوعين عنوانها "وجهان لعملة واحدة" أن لا أحد يخدم ويدعم ويستفيد من وجود ونشاط التنظيمات الإسلامية الجهادية المحاربة في سوريا مثل النظام، وبالمقابل لا أحد يدعم ويثبت بقاء هذا النظام أكثر من هذه التنظيمات، وأن بقاء واستمرار أحدهما مرتبط إلى حد بعيد ببقاء واستمرار الآخر.
واليوم، وبعد معركة معلولا وتوقيتها المبهر، ساقول أكثر من ذلك، سأقول أن بعض هذه التنظيمات هو من صناعة النظام، ويعمل بتوجيهه وإشرافه، ومن فكر باقتحام معلولا الآن وتفجير هذه القنبلة الإعلامية السامة في وجه الثورة والثوار، وتقديم هذه الخدمة الجليلة للنظام، هو ولا شك صنيعة النظام، أو حليفه، ومعه في خندق واحد، وضد عدو واحد هو الشعب السوري.
ما أهمية معلولا وقيمتها الاستراتيجية العسكرية بالنسبة للتنظيمات الإسلامية المحاربة؟ وما فائدة هذه التنظيمات من فتح هذه المعركة الآن؟
ليس لبلدة معلولا أي قيمة استراتيجية تذكر، والمسلحون الذين اقتحموها يسيطرون على المناطق الجبلية المحيطة بها منذ فترة بعيدة، والحاجز التابع للنظام والذي تمت مهاجمته أيضا موجود منذ فترة، ومهاجمته الآن لا تقدم ولا تؤخر، كما أن مهاجمته لا تستدعي الدخول إلى قلب البلدة، أما السيطرة على الأتوستراد الدولي، التي هي الهدف المعلن للمسلحين، فمتاحة من مواقع أخرى في منطقة القلمون أفضل بكثير من موقع معلولا، خاصة في منطقتي النبك ويبرود.
إذن ما مبرر هذه المعركة التافهة بمكاسبها العسكرية والخطيرة بأبعادها السياسية؟
شخصيا لا أرى فيها إلا دعما لموقع النظام ومحاولة لإبعاد شبح الضربة العسكرية الغربية عنه.
فالدوائر الغربية، وعلى رأسها الكونجرس الأمريكي، تنهمك الآن باتخاذ القرار اللازم بشأن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وهذا القرار في حال اتخاذه يعني نهاية النظام أو بداية النهاية له، والدوائر الغربية هي دوائر مسيحية ولديها حساسية خاصة تجاه الأقليات المسيحية والمواقع المسيحية، ومعلولا بلدة مسيحية ذات قيمة رمزية وتاريخية كبيرة، وشهرة عالمية، تنتشر فيها الكنائس والأديرة، وفيها كنيسة بيزنطية عمرها 1800 سنة، وهي البلدة الوحيدة التي يتحدث أهلها اللغة الآرامية - لغة السيد المسيح - حتى الآن، واقتحام بلدة معلولا الآن من قبل جبهة النصرة ومن شاركها وساندها، سيؤثر حتما على الرأي العام الغربي والمؤسسات الغربية وعلى أعضاء الكونجرس تحديدا، وسيدفعهم باتجاه التصويت ضد ضرب النظام السوري، ومن يتابع الإعلام الغربي والطريقة التي يصور بها ما حدث في معلولا يدرك تماما أبعاد ما أقول.
تبرز هنا مشكلة فشل المعارضة في القيام بدور إعلامي فاعل ومؤثر، يمتص الآثار السلبية المتوقعة لاقتحام معلولا ويضع النقاط على الحروف ويحرم النظام من استثمار هذه القصة، ويفوت عليه فرصة النجاة، لكن هذا هو حظ السوريين في معارضتهم.
ستستثمر معركة معلولا بالحدود القصوى لإقناع الغرب أن سوريا ما بعد الأسد ستكون وبالا على المسيحيين في المنطقة، ومن سيتسيدها من تنظيمات إسلامية تكفيرية سيعمل على تطهيرها من المسيحيين قبل أي شيء آخر، أو على إذلالهم، وبالتالي يبقى هذا النظام على عجره وبجره أفضل من هذه الوحوش القادمة... وهذه الرسالة هي بالضبط ما سعى النظام دائما إلى إيصالها للغرب للقبول باستمراره كأفضل بديل ممكن، والآن تأتي الجماعات الجهادية لتوصلها وتؤكدها، بالوكالة عن النظام، عن طريق اقتحامها لهذه البلدة المسيحية الأكثر رمزية في سوريا، فأي خدمة تقدم للنظام أفضل من هذه الخدمة؟
إنها ضربة معلم ولا شك، فلا شيء أشد تأثيرا على أعضاء الكونجرس المسيحيين من عمل كهذا، ومن المرجح أن يفعل فعله في تحويل قرار عدد كبير منهم من مؤيد إلى معارض للضربة، فينجو النظام السوري مرة أخرى ويخرج من الأزمة أقوى مما كان ليتفرغ مجددا بعزيمة جديدة للفتك بسوريا والسوريين، وتضيع الفرصة الأخيرة النادرة التي أتيحت لإضعاف النظام والتخلص منه عسكريا أو جره إلى طاولة المفاوضات والتخلص منه سياسيا.
لم يعد هناك شك في أن وجود ونشاط التنظيمات الإسلامية التكفيرية المحاربة في سوريا هو أكبر داعم للنظام وأعظم فرصة لبقائة، وهي ليست سوى ورم خبيث زرع في الجسم السوري لن يلبث أن يقضي عليه إذا لم يبدأ العمل على استئصاله.
مسكين هذا الكيان السوري من أين يجدها... بين استبداد متوحش أنهكه ودمر مناعته، وجهاديين يكملون المهمة للإجهاز عليه وإقامة إماراتهم الظلامية على أنقاضه، ومجتمع دولى مصلحي عازف عن مساعدته، ورب أعلى ينأى بنفسه.......
يعبر عن حال السوريين هذا قول المتنبي:
وسوى الروم خلف ظهرك روم ................ فعلى أي جانبيك تميل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية