تمكن بشار الأسد -أو هكذا يبدو- من تجنيب نظامه ضربة عسكرية غربية بموافقته على وضع أسلحته الكيميائية تحت إشراف دولي، إلا أن هذه الخطوة قد تنقلب عليه في المدى البعيد وتضعف نظامه، بحسب ما يرى محللون.
فقد تراجع الحديث عن ضربة عسكرية على النظام السوري بعد إعلان الاخير موافقته على اقتراح روسي بوضع أسلحته الكيميائية تحت إشراف دولي على أن يتم التخلص منها لاحقا، وطلب الرئيس الاميركي باراك أوباما من الكونغرس التريث في التصويت على الضربة لإفساح المجال أمام الدبلوماسية. لكن تراجع النظام عن تعهداته سيشكل مبررا أقوى للذهاب إلى الحرب.
ويقول فولكر بيرتيس من المعهد الألماني للقضايا الدولية والأمنية لوكالة فرانس برس إنه في حال وفى النظام بتعهداته بالتخلص من الأسلحة الكيميائية والانضمام إلى المعاهدة الدولية لحظر هذه الأسلحة، "فسيثبت ذلك أن دمشق تراجعت تحت ضغط التحدي العسكري".
ويرى أن هذا يعني أن "النظام ضعيف بما فيه الكفاية، على عكس كل تصريحاته، إلى درجة التنازل عن مسألة لم يكن حتى أيام مضت يقبل بالتحدث فيها".
وقبل إعلان موافقتها على العرض الروسي، لم تعترف دمشق رسميا من قبل بامتلاكها أسلحة من هذا النوع. ونفت بشكل قاطع الاتهامات الغربية لها بقصف مناطق في ريف دمشق بالسلاح الكيميائي في 21 آب/أغسطس تسبب بمقتل قرابة 1500 شخص.
ويقول بيرتيس إن "الوضع لن يتغير على الأرض بشكل مباشر، إلا أن النظام، بمجرد تعاونه مع المجتمع الدولي وتسليم سلاحه سيبدو ضعيفا. وهذا من شأنه إعطاء دفع للمعارضة".
إلا أنه يبدي شكوكا في تعاون النظام، معتبرا أن خطوة النظام تهدف إلى كسب الوقت، ويقول: "النظام سيستخدم المبادرة الروسية لكسب الوقت، وسيجد كل أنواع التبريرات للتهرب من التزاماته، لا سيما في ما يتعلق بالانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية".
ويعبر كريم بيطار من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس (إيريس) عن الشكوك نفسها قائلا "السؤال الكبير هو هل سيضع النظام فعلا أسلحته الكيميائية تحت الإشراف الدولي؟".
ويضيف: "يجب أن ننتظر لنرى ما إذا كان النظام سيناور كالعادة مع المجتمع الدولي. قد يقدم تنازلات صغيرة، مع التأكد من إبقاء السيطرة على الوضع".
ويشير الباحث بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية، والخبير في الشؤون السورية إلى أن "تسليم الأسلحة الكيميائية في الإطار الحالي هو تقنيا غير ممكن، لأن تدميرها يتطلب آلية ضخمة تشكل تحديا حتى في أفضل الظروف".
إلا أنه يوضح أن تسليم هذه الأسلحة "قد يتحول إلى خطوة انتحارية لأنها آخر أدوات الردع" بالنسبة إلى النظام.
ويتابع: "لكن عدم تسليمها بعد الإقرار بوجودها والموافقة على التعاون، سيكون السبب المباشر الذي تبحث عنه الولايات المتحدة منذ البداية".
ويخلص هارلينغ إلى أن "هذه المبادرة تضيف عنصرا جديدا إلى النزاع، من دون أن تقدم مخرجا واضحا لأي من الطرفين".
وأعلنت الرئاسة الفرنسية الأربعاء أن فرنسا تبقى "مستعدة لمعاقبة نظام دمشق على استخدام أسلحة كيميائية، وردعه عن القيام بذلك مجددا".
وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "تصميم فرنسا على استطلاع كل السبل في مجلس الأمن الدولي لإفساح المجال أمام رقابة فعالة للأسلحة الكيميائية لدى نظام دمشق، في أسرع وقت ممكن".
ويؤكد "بيرتيس" أن الضربات العسكرية ستبقى في خلفية الحدث، ويقول إنه في حال تنصل بشار الأسد، رغم رغبة أوباما "في تجنب الحرب"، فإن "الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيعطي المجتمع الدولي الضوء الأخضر للجوء إلى القوة ضد النظام".
ويضيف: "الخيار العسكري لا يزال مطروحا، ولا بد من إبقائه على الطاولة".
الفرنسية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية