كان يكفي انتحاري واحد لتصبح بلدة كمعلولا تحت سيطرة كتائب الجيش الحر، أو المسلحين "الارهابيين" كما يطلق عليهم أنصار نظام الأسد، إذاً رجل واحد ينسف حاجزاً بمن فيه كان كافياً لأن تذهب أدراج الرياح مقولة حامي الأقليات، قبلها بأسابيع قليلة كان ذات السيناريو يتكرر في منطقة أخرى هي وادي النصارى، يومها قضى مجموعة من شباب البلدة المسلحين المنتمين لجيش الدفاع الوطني كما يطلق عليهم أنصار النظام، أو "الشبيحة" كما يسميهم المعارضون، إضافة لمدنيين أبرياء كانوا في محيط المنطقة.
وبعيداً عما أثارته هاتان الحادثتان من جدل واسع وارتفاع لأصوات لم ترتفع قبلاً إزاء كل ماحدث في سوريا ويحدث من جرائم ومجازر وانتهاكات كان آخرها القتل بالكيمياوي لأكثر من خمسمئة طفل في الغوطة الشرقية في مشهد مريع يندى له جبين البشرية، فإن ثمة تساؤلات لا بد أن تجيب عنها العقول الصامتة تلك التي غيّبت صوتها "طواعية أو قسراً أو عن جهل" لصالح الغربان الناعقة ممن اختاروا في وادي النصارى على سبيل المثال أن يكون ردهم بتأسيس جيش وادي النصارى الوطني، في مبادرة غبية لحماية أنفسهم بعد أن خذلهم النظام ورأوا بأم أعينهم هشاشة ما يستطيع تأمينه لهم.
قد يقول قائل وهل النظام يسقط إن تمت السيطرة على معلولا؟ ولماذا معلولا ؟ وهل هذه الكتائب تحركت من تلقاء نفسها أم هي مخترقة؟ وماهي الرسائل لدخول مناطق تقطنها أغلبية مسيحية؟ ويشبعون الموضوع تحليلات، وما إلى ذلك من أسئلة تفتح جدلاً لن ينتهي...قد يكون هذا الجدل مناسباً لنا نحن الذين في الخارج، وقد يكون الجدل مناسباً للسياسيين أو الراغبين بدخول معترك السياسة، لكن بالتأكيد ليس هذا ما يجب على قاطني هذه المناطق وسواها التفكير به أو الاجابة عنه.
على العقول الغائبة من الوجهاء وعليّة القوم أن تسأل نفسها ماهي فاعلة إن قرر المسلحون الاستمرار في استهدافهم لحواجز النظام في هذه المناطق؟ وأن تسأل نفسها قبلاً من الذي أمن لهم الحماية لأكثر من عامين بينما كانت الحرب تأكل البشر والحجر في مناطق لا تبعد عنهم عدة كيلومترات؟ بالتأكيد لا يراهن سكان هذه المناطق على حكمة "المسلحين" ممن قرروا الانسحاب إلا إن كانوا مقتنعين بأن أولئك انسحبوا خوفاً من جيش النظام أو أنهم لن يجرؤوا على نسف الحواجز ودخول البلدة في المرة الثانية.
آن للعقول الغائبة من الوجهاء وعليّة القوم أن تفكر وتقرر وتتخذ موقفاً حكيماً لاسيما في المناطق الحساسة الساخنة، لا بالانضمام للثورة فالوقت قد فات وانضمامهم اليوم لن يقدم أو يؤخر، لاسيما وأن صوت الانقسام الطائفي بات طاغياً على كل ما يجري في سوريا، ولكن أضعف الإيمان أن يستمروا في تحييد أنفسهم فطبول الحرب تقرع، وأضعف الإيمان أن يأخذوا دروساً وعبرة من حصار أكثر من ثمانمئة عائلة لأكثر من عام في حمص القديمة بينهم ثمانون مسيحياً ما زالوا سالمين يعيشون ويمارسون طقوسهم الدينية جنبا ًإلى جنب مع المسلحين والسلفيين منهم، كما آن لهم أن يضعوا حدوداً لغربانهم لاسيما أولئك الذين في المغتربات من أصحاب الدعوات لمسيرات التأييد ورفع صور "بشار الكيمياوي" في الشوارع الأمريكية والأوربية، فأصوات النعيق اليوم قد تجلب النحس لعقود طويلة.
وتبقى كلمة للباحثين عن السلام ممن استجابوا لدعوة الفاتيكان وصلوا وصاموا لأجل الحؤول دون ضربة عسكرية ضد النظام، منذ ألفي عام وعلى أبواب دمشق اهتدى بولس الرسول وما زال بيت حنانيا فيها شاهداً على الوجود المسيحي وانطلاقته للعالم... وبعد ألفي عام وتحت هذه السماء أصوات سوريين كثر - محبين للحرية والسلام- ارتفعت هاتفة "يا الله مالنا غيرك يا الله"..هذه الأصوات لم تكتف بالصلاة و الصيام فقط، بل قدموا أرواحهم كباراً وصغاراً لأجل سوريا...يومها كان السيد أوباما منشغلاً بمعاركه الانتخابية ومصالح بلاده، ويومها بابا الفاتيكان كان غافلاً عن آلام الضعفاء...أيها السادة يا محبي السلام يمكنكم الصلاة والصيام لأي هدف كان لكن عليكم التفكر جيداً بأن أكثر من مئة ألف شهيد، وملايين المهجرين واللاجئين يحبون السلام مثلكم تماماً ودفعوا ثمنه أكثر...لا يفصلكم ويفصلهم عن ذلك السلام المشتهى إلا طاغية انتهك كل المحرمات فطالبوه بصلواتكم أن يرحل وهذا أضعف الإيمان.. لكن حذار حذار من تلك الصورة السلبية غير الحقيقية وغير العادلة بأن كل المسيحيين مع النظام وضد إرادة الأكثرية، تلك الصورة التي تعمقونها كل يوم أكثر غافلين عن التنوع و التعددية في الآراء السياسية للمواطنين المسيحيين وغافلين عن مغبة الثمن الذي يمكن أن تدفعوه إن ترسخت الصورة عنكم، أيتها العقول النائمة بماذا ستجيبون يوم سيقول لكم الشعب لماذا كنتم مع القاتل ضد المقتول؟
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية