.
الدحنون ... لون الدم، سيد الأساطير، تهدهده نسمات الربيع، يكاد يتفتح أمام ناظريك، بلا رائحة كالياسمين مثلاً، لكنه يبعث في الأمل أحاسيساً بين البهجة والألم، معروف عنه عمره القصير، يغطي السهول في حوران وخاصة تلك الوعرة والغير مزروعة، وردة الدحنون تتفتح مع أول قطرات الندى في الربيع، نظرة غاية في الجمال، حتى إذا انتصفت شمس النهار في وسط السماء انحنت قليلاً وكأنها تستأذن الرحيل، وتفقد بعض نضارتها، حتى أنها تراقص ظلها، تنحني قليلاً أمام الريح بكأسها المعوج لاتعاند، قيل عنها الكثير، فالبعض يسميها "دحنون" وآخرون يسمونها (ديحنون) وقيل في أساطير الأولين أنها شقائق النعمان، أخذت لونها القاني من أديم أرض تشربت وارتوت بالدماء، وفي أول الربيع تنبت لتعلن أنها في أرض طاهرة، مخضبة بدم الأطهار، من ماتوا دفاعاً عن الأرض والعرض والوجود.
آه يا أرضنا، في ربوع سوريا الحبيبة، اعتقدنا منذ الطفولة أن وردة الدحنون هي لنا لنلهو بها، حيث كنا نعتقد أنها تلف الكون وتربط الكرة الأرضية بزنارها،رغم عمره الذي لايتجاوز الثلاثة أرباع اليوم، تتساقط وريقاتها من على عودها لتحمل كأس الوردة في أعلاها، ليكون بعد يباسه صافرة تصم الآذان، هي لعبة الطفولة في السهول والحقول والوديان، ولا تيأس وردة أخرى من محاولة الكرة لتعطي نفس النبتة وردة ووردة دون كلل أو ملل..!! اليوم وبعد انقضاء حولين أحمرين مخضبين بلون الدحنون، مشبع بدماء أطهارنا وأبرارنا لتكون رمزنا وعنوان كرامتنا، هي ملح الأرض على امتداد وطني الجريح، من دماء أحباءنا، شباباً وأطفالنا ونساءً وشيوخاً سينبت الدحنون في كل الساحات، ونعذره ان تسلق على الجدران وعلى أنقاض المدن والبلدات والقرى، ليعلن أن كل الوطن تربة لوردة الدحنون.
لم نكن نعلم أن أرضنا على موعد ربيعي يتجدد مع 18 آذار، حيث انطلقت شرارة الثورة، وفي نيسان حصار درعا، حيث كان نداء فزعة حوران لفك الحصار عن درعا، الحناجر هتفت بـ "الموت ولا المذلة" يومها كان موعد الدحنون يعلن قدومه، على حافة الطرقات يتمايل بعد ظهيرة يوم نيسان الفزعة، شاهداً على المجزرة، ليقتل عشرات الشباب ويصاب أمثالهم، يوم تعمد الطريق الى درعا بدم الأطهار بلون وطهر الدحنون، حيث كانت الفاجعة، يوم اعتقال حمزة الخطيب وتامر الشرعي وآخرون، على طريق صيدا باتجاه درعا.
كم من جثمان شهيد حل ضيفا في أي زاوية في ربوع الوطن، في الساحات، بجانب الطرقات وفي كل البقاع هناك رفات شهداء، مخفية عن أعين القتلة، الجثث في بلدي مستهدفة، المقابر أهدافاً مشروعة، من الصعب جداً الوصول اليها، فكان أن استقبلت الحدائق وساحات المنازل رفات أهلنا دون علامات تميزها لتكون آمنة عن أعين أشاوس النظام، ألم يكن في سوريا الشهيد يشيع شهيد، كم من جنازة تعرضت للرصاص المباشر من قناص وحولت بعض المشيعين الى شهداء،،،،؟ شاهد قبر حمزة الخطيب طالته رصاصات الحقد والغدر، وهناك في حمص وادلب وغيرها كم من جثمان مسجى على الاكتاف طالته الرصاصات العمياء ليستهدفوا الشهيد وليجعلوا من المشيع شهيد....؟؟؟ بلدي بلد الدحنون ومهد شقائق النعمان يزهر من جديد ويزهو بدماء الأطهار ...؟؟؟؟
* صحفي سوري مغترب
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية