نزل الضباب على حمص منذ المغيب, و جاء الليل المعتم فرماها عند اقدام القدر, حمص وحيدة غارقة في الموت و النسيان.
صوت مدوي يرعد في الهواء, ارتجاج في الارض ترتج منه الارض و الجدران و العظام, الضباب الذي لف المدينة ابعدها عن العالم, و العالم راقد في النوم و الاحلام, أطياف شبان يجوبون بقلب الضباب, ينادون (الله اكبر, الله اكبر), شجرة على باب منزلنا تمد ازرعها تريد ان تلحق بهم, ثم تبكي وحيدة. صراخ طفل يشق الهواء, يأتيني من مكان ما من قلب الظلام , يكسرني بكاؤه و يهزمني. المئذنة تناشد السامعين النزول الى الطوابق الارضية. يشتد الدوي و يعلو و يعلو, الدوي يندفع من مكان ما, ينفلت من الجحيم, و يقترب و يقترب, يكاد يصبح فوق الرؤوس و فوق نبضات الوريد, كل شيء يتجمد, العيون و اللسان و حتى الشهيق. و بعد الارتطام, نكتشف اننا لا زلنا موجودين.
يتلاحق الدوي و يزداد جنونا, تصفر اجهزة الانذار في المركبات, تصفر كأنها تستجير, مآذن الجوامع تبكي, تأتيني اصواتها متلاحقة بتكبيرات العيد (و الله اكبر كبيرا, و نحن اليه نستجيرا).
الطفل عاد يصرخ و يبكي, فصار فوق كسري يكسرني, و فوق إنهزامي يهزمني, و فوق تمزقي يمزقني.
اصوات المآذن تتتابع متلاحقة, المؤذن القريب صوته مكسور مبحوح ينادي ( يامن نصرت عبدك, و هزمت المشركين وحدك ), صوته يجلب عليّ البكاء فأبكي, ثم اتبرؤ من دموعي.
يرعد صوت كأنه النفير, كأنه تصدع الارض و انسلاخ الشمس و انشقاق القمر, كأنه يوم القيامة, و قبل ان تدركه الحواس يتبعه صوت ارتطام, رجال تراكضوا لآخر الحي, يصرخون يا لطيف يا لطيف, إلطف يا لطيف.
لطم و شهيق عالي في الظلام .
حمص غارقة في العتمة و النسيان, و هذا العالم غارق في النوم و الاحلام.
يا الله يا رب السماوات السبع, يا رب موسى, يا شاق اليم العظيم, يا رافع السماء بلا عمد , يا باسط الارض, يا رب الضعفاء و الثكالى و اليتامى و اللاجئين اليك, اللاجئين اليك قد تقطعت بهم السبل, تقطعت بهم السبل اليك, فدلنا يا الله عليك, اعلمنا إن كنت ترانا, اعلمنا هل حقا ترانا.
يا الله يا رب المسلمين, ألسنا نحن عبيدك , يا الله يا رب النصارى, ألسنا نحن خراف الرب, أليست حمص حظيرة الرب بين انياب هذا الحقد العظيم , يا الله يا رب الحسين, ألسنا نحن الحسين اليوم في هذا الكربلاء العظيم, و هذا الظلم العظيم, و هذا الافتراء العظيم.
حمص تذبح في العتمة و النسيان, و هذا العالم اللامبالي غارق في النوم و الاحلام.
- احدى لحظات قصف احياء حمص من قبل النظام الاسدي.
ليلة في حمص ... نرين طلعت حاج محمود

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية