أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قلق...

لا أستطيع منع نفسي من استعارة قبعة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة وأن أردد معه مقولته الشهيرة أنا قلق...قلق من الضربة الأمريكية....وقلق بدونها.

قلق منها لأنني أتابع النشاطات الأنكلوسكسونية السياسية والدبلوماسية منذ أول الثورة وحتى الآن...تابعت التخبط الأمريكي حيال الثورة السورية عندما كان السفير المكلف بالتواصل مع المعارضة يقول الشيء ونقيضه لجهابذة المعارضة السورية، وعندما كنت أسأل أحدهم عن الرأي الأمريكي فيما يخص استحقاق ما، فيؤكد أن الأمريكان يرون ما يرى ويستشهد بالسفير المذكور الذي حادثه على الهاتف قبل قليل. ولما تسأل زميلا للأول في ذات المجموعة السياسية، فيخبرك بأن الأمريكان يرون خلاف الرأي الأول تماماً ويستشهد بمكالمة هاتفية غاية في الأهمية أعلمه فيها السفير ذاته رأياً معاكساً للخارجية الأمريكية قبل دقائق...قلق لأني تابعت التصريحات الصادرة عن البيت الأبيض والتي كانت تضع الخطوط الحمراء والخضراء لتمسحها لاحقاً وترسم غيرها، وتابعت تصريحات الخارجية الأمريكية التي كانت تعلمنا بين الحين والآخر بأن النظام انتهى أو هو في أواخر أيامه لتخرج بعدها تصريحات تعلن القلق من وجود مقاتلين متطرفين في صفوف الثورة السورية... قلق لأني أعلم أن أكثر اهتمام الاستخبارات الغربية خلال الاحتكاك مع مقاتلي الجيش الحر خلال الفترة الماضية كان معرفة خارطة وجود المقاتلين الإسلاميين في سورية...قلق أيضاً لأني أعلم أن يد العسكري الأمريكي تكون أبعد ما يكون عن الدقة عندما يضرب أهدافاً في الدول العربية والإسلامية، ولأن النيران الصديقة أزهقت الكثير من الأرواح البريئة خلال الوجود الأمريكي في أفغانستان والعراق سواء من المدنيين أو الأصدقاء على حد سواء...وربما يصيب الجندي الأمريكي ما شاء من الأهداف باعتماد ما لديه من معلومات استخباراتية بعضها تم جمعه عن طريق عملاء مزدوجين وهذه لعبة معروفة أتقنها النظام وأعوانه في إيران وحزب الشيطان....أعرف الأمريكيين جيداً وأعلم يقيناً بأن ما سيضربونه من أهداف داخل سورية ليس له علاقة بمسار الثور السورية وإنما مرتبط بما يهدد مصالحهم المباشرة ومصالح اسرائيل. 

طبعاً كل ذلك بالإضافة إلى أن ثمة إجماعا أن هدف الضربة ليس بالضرورة إسقاط النظام وإنما شد أذنه أو كما قال الرئيس أوباما "احتمال القيام بعمل محدود ضد النظام السوري" مع أنه أعلن بأن الهجوم هو تهديد للأمن القومي الأمريكي وبأنه لا بد من عقاب النظام السوري. 

وعندما أقرأ التسريبات حول الأهداف المحتملة للضربة أقلق أكثر وأكثر لأن معظمها أماكن تكتظ بالمعتقلين السوريين كفروع المخابرات والأمن السياسي والعسكري وحتى مطار المزة الذي يحتوي معتقلا كبيرا للمخابرات الجوية وقلق لأن كثيراً من الأهداف المتداولة إعلامياً تقع داخل المدن السورية وعلى رأسها دمشق مثل مقر قيادة الأركان وإدارة المخابرات العامة وفروع الأمن المنتشرة في الأحياء السكنية في البرامكة والخطيب والميسات وكثير من المناطق وحتى قصري تشرين والروضة المتواجدين ضمن الأحياء السكنية.

ولكن...أنا أيضاَ قلق في حال لم تتم الضربة ....لأن نظام الأسد القذر وبعد أن استعمل الكيماوي عشرات المرات وصولاً إلى مجزرة الغوطة المروعة وبعد أن شهدنا كل هذا الزخم الدولي حول عقابه ..سيوغل في القتل وفي استعمال الكيماوي أكثر وأكثر في حال عدم توجيه الضربة ولن يردعه شيء بعدها...وسيعتقد المجرم بشار بمداركه المحدودة والمريضة بأنه انتصر من جديد وهذا الشعور هو العامل الأول فيما وصلت إليه الأمور من إجرام...قلق لأني أصبحت أعلم كيف يفكر هذا الكائن الدوني وكيف يرى أن قتل أبناء الشعب السوري هو عملية مشروعة إن كانت تؤدي إلى استمراره... قلق في حال لم تتم الضربة لأن المسار الحالي للثورة قد يستمر عشر سنوات بسبب إصرار داعمي الأسد في روسيا وايران على إنعاش وجوده العسكري والاقتصادي في حين يصل دعم الجيش الحر بالقطارة وضمن جداول حسابات سياسية إقليمية ودولية غاية في التعقيد. فإن لم يكن ثمة ما يغير هذا المسار ويسحب إمكانية المبادرة العسكرية للمجرم وأتباعه فقد نشهد فترة طويلة من الجذب والشد على الساحة الدولية وسيلعب النظام على تناقضات المواقف الدولية ليدعم أجهزة الإنعاش التي قد يعيش عليها فترة طويلة.

قلق أيضاً أن الضربة إن لم تكن قاصمة – وقد لا تكون بسبب الإجراءات التي اتخذها النظام والتي قد تجعل الضربة أكثر إيلاما للشعب من النظام- فإن ما بعدها سيعني انقسامات أكبر في المجتمع السوري حيث سنشهد اصطفافات جديدة في الساحة السورية الداخلية والخارجية وسيقف كثير من أصدقاء الأمس في مواجهة بعضهم البعض على خلفية الأهداف التي تم قصفها ونتائج القصف عسكرياً وإنسانياً إلى جانب خروج رأس النظام المجرم من جحره بعد الضربة كالمنتصر على عدو خارجي.

لقد أدى غرور وجنون هذا المجرم إلى أن أصبح الوطن كله أمام أمرين أحلاهما مر، فإما أن يستمر نزيف الوطن ويستمر قتل الشعب بأيدي جيشه الذي أنفق عليه عرقه ودماءه ويستمر الكيماوي الذي أكل أبناءنا في الغوطة وإما أن تأتي الضربة الموجعة على أيدي من تلكأ بدعم الثورة كل هذا الوقت ووقف متفرجاً راسماً من الخطوط ما يعجز عنه فنان تشكيلي مبتدىء. 

أعلم أن القارىء لربما يقول ليس لدينا حتى ترف القلق الذي تتحدث عنه فنحن ومنذ بدايات الثورة قد شمرنا عن سواعدنا وتحملنا كل ما جره النظام علينا من مصائب هادفين لإزاحة الطاغوت وما الضربة العسكرية الغربية بالنسبة لنا إلا حلقة من حلقات هذا النضال ولسنا نحن من أتى بها ولا نملك أن نتحكم في مساراتها ومآلاتها. 

أقول هذا هو المنبع الأكبر للقلق بأننا وعلى رأسنا المعارضة السياسية الخارجية الممثلة بالائتلاف لا نملك من الأمر شيئاً، وأكبر دليل على ذلك انتصار التيار المشكك بلزوم التدخل لمعاقبة المجرم وأتباعه بل والمشكك في استعماله للأسلحة الكيماوية أصلاً في أعرق برلمانات العالم على الرغم من وجود أحد الممثلين الدبلوماسيين الستة للائتلاف في لندن. 

أما كان حري بهذه الولايات المتحدة وهذا المجتمع الدولي رفع المعوقات بشكل حقيقي عن الأسلحة النوعية وتقديمها لأبطال الجيش الحر.

(131)    هل أعجبتك المقالة (120)

د. محمد غريب

2013-09-11

شكراً للكاتب لوضوح أفكاره وصحة عرضه ومطالباته وعدم التخفي وراء العبارات الفضفاضة لعرض أفكاره بوضوح بالغ..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي