أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشاشة التي تنمي غريزة القتل.. وحدات رصد وتقارير مصنعة أمنياً

نكأ اطفال درعا جراح السوريين المتراكمة منذ عقود، تناهبت الخبر وكالات الأنباء، ارتقى أول شباب الثورة، غصت المدن السورية بالمتظاهرين تتالت الانشقاقات، قصفت المدن بالصواريخ، هُجّر الملايين من مدنهم جميعها، أخبار "بايته" بالنسبة للإعلام السوري، إذ دأب نظام الأسد على الانتظار لتزويد إعلامه بالمشاهد الأقسى والأعنف متجاوزا أية أعراف وأخلاقيات مهنية طبعت خلال عقود من عمر البشرية.

زوادة يومية وكثير منها مباشر صور لشهداء تهالكت أجسادهم وتشظت الصورة اليومية والعاجلة والدائمة وبات متابعوا القليل من إعلام النظام السوري يتشبثون بشهية القتل ومباركته فما يقدم عبر محطات وراديوهات وصحف ومواقع يذكي غريزة القتل ويمدها بزادها اللازم.

يقول الصحفي محمد الحمادي:"ما يقدم عبر هذا الإعلام لا يصدق الصمت الذي يقابله أن تحول شاشة تلفزة ليوميات التمثيل بالجثث وقد يسارع البعض إلى أن أطرافا من الكتائب تمارس بعضا من ذلك، لكن الفرق بين شاشة تسمي نفسها وطنية وبين مواقع "اليوتيوب"، كبير الأولى تخضع لقوانيين وأعراف والثانية شخصية حديثة العهد، مضيفا أن هذه الشاشة تثير شهية القتل لمتابعيها وتمارس تحريضا غير مسبوق في إذكاء شهوانية غريزة الدم لم يسبق أن تابع العالم ما يقوم به إعلام النظام السوري وممارساته.

بعد نحو سنتين ونصف السنة على الثورة السورية، مارس خلالها النظام أبشع أنواع القتل الجماعي والمجازر، واستخدم أنواع الأسلحة المختلفة وصلت إلى حد استخدام القنابل العنقودية، يلجأ النظام السوري اليوم إلى سلاح التخويف والترهيب ممن سيتسلّم السلطة بعده، داعياً أنصاره إلى الموت في سبيله وقتل «أعداء الوطن».

ولا يتردد النظام في الإشارة إلى أن إسرائيل هي من تقف وراء «المؤامرة الكونية» التي يتعرّض لها، لكونه «الممانع الأكبر» في المنطقة، ويسهب الإعلام في الحديث عن الجماعات التكفيرية التي دأب على صناعتها وتمويلها.

ويرى الصحفي علي عيد المنشق عن وكالة الأنباء الرسمية "سانا" أن "النظام عمل منذ انطلاق شرارة الثورة على غرف عمليات مجهزة ووحدات دراسات تقوم على تصنيع تقارير بالتوازي مع عمل أجهزة الأمن على زرع مندسين في التظاهرات السلمية لتحقيق الغاية التي رغب بإلصاقها بالثورة وإبراز الدم المسفوك حتى وإن كان صنعه بيديه. 

وأضاف أن النظام عبر آليات إعلامه سعى لإحداث صدمتين .. الأولى للموالين ومن يقفون في المنتصف خطابها إنكم مقتولون وأنا حاميكم الوحيد وجرهم بسهولة للإحاطة به. والثانية للمناهضين له لجرهم إلى خيارات قاسية مع تنسيق استخباراتي عسكري بالدفع وتسهيل التسلح للخلاص المنشود ودفع التهم الصادمة كثيرا، وكذلك بدس عملاء يروجون لحمل السلاح لأنه وعلى مدى ستة أشهر كان يسعى لتشويه صورة الثورة ثم استغلال هذه الصورة في الإعلام الخارجي".

ويرى "عيد" أن خروج المئات من الصحفيين السوريين وانشقاقهم عن هذا الخطاب الدموي هو تعبير عن رفضه ولرغبتهم بألا يكونوا جزءا من آليات القتل الممارسة.

وختم بأن النظام بدأ منذ الأيام الأولى بترويج صفة السلفية على المدنيين السلميين وبينهم الأطفال، ثم انتقل إلى "القاعدة" ومشتقاتها وهي التي كانت تعمل في فلكه وإشراف أجهزته، معتبرا أن النظام زرع مجموعات إرهابية تنفذ عمليات خطف وإعدام وهي ستنتهي بانتهاء النظام خاتما بالإشارة للمثل العامي المصري "اللي حضرَّ العفريت يصرفه".

من يتابع وسائل الإعلام الحكومية السورية، المرئية والــمسمــوعـــة والمطبوعة، يُفاجأ باستخدامها خطاباً دموياً غريباً عن لغة "الميديا" المعتادة في جميع أرجاء الكرة الأرضية، إذ تبث اشة التلفزيون أغنيات تحث على الجهاد وتبارك "التطهير" ولا تستحي أن تعرض عشرات الصور اليومية لشهداء سرعان ما تقول إنها لجماعات تكفيرية وجهادية حتى وإن كان بين مجازر الالة العسكرية السورية أطفال حمص في الحولة وغيرهم في درعا وإدلب وحلب، وتبث الإذاعة السورية في شكل متواصل أغنيات يغلب عليها خطاب القـــتل «مبروك نصرك يا شعب سورية... بنتي (ابنتي) قتلتا (قتلتها) وما شفقت عليا (عليها)». وتركز أغنيات أخرى على تشجيع الجيش السوري على الشهادة، مثل أغنية تقول: «الجيش السوري بصم بدمه... ما بتهمه (لا تهمّه) دمعة أمه», فيما تحاول الصحف إقناع القراء بأن «الشهادة هي الطريق الأوحد لصون الأوطان»، وكأن «شهادتهم» جاءت نتيجة حرب مع العدو دفاعاً عن الأرض. وغالباً ما تشير الصحف إلى «سعادة ذوي الشهيد بشهادته»، فزوجة أحدهم قالت لصحيفة سورية حكومية: «أفتخر وأعتز باستشهاد زوجي البطل»، بينما تحدث والد أحدهم قائلاً: «ضحّينا بالكثير، ومستعدون لتقديم المزيد لتبقى سورية بخير». 

فيما تتولى المحطات الإذاعية زف بشرى الشهادة «نهنئ آل كذا بشهادة بطلهم الغالي، الله يرحمك يا غالي»، ويجمع ملايين السوريين على أن إعلامهم تحول إلى شريك يقتلهم سيما وانهم رددوا منذ أيام الثورة الأولى "الإعلام السوري كاذب . كاذب . كاذب".

محمد العويد - زمان الوصل
(114)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي