بما أن الحديث عن التدخل العسكري الأمريكي في سوريا لم يُطرح داخل أروقة الكونغرس إلا بعد تجاوز الأسد للخطوط الأمريكية الحمراء باستخدامه للسلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية قرب العاصمة دمشق ، حسب تقارير أجهزة المخابرات الغربية التي حمّلت الأسد مسؤوليته جملةً وتفصيلاً ...
وفي ضوء ما جاء من استنتاجات وتحليلات متباينة تبقى هوية الفاعل مجهولة حتى هذه اللحظة وبحاجة إلى أن نطرح التساؤل عن ذلك الذي يدفع الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين العزّل مع علمه المطلق أن استخدامه سيكون بمثابة الانتحار السياسي ... ؟ وبحاجة إلى أن نتساءل عن هوية المستفيد من استخدام الغازات السامة ضد المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة
في هذا التوقيت وعلى مقربة من مكان إقامة لجنة التحقيق الدولية التي وصلت إلى دمشق مؤخراً للتحقيق في احتمال استخدام السلاح الكيماوي في الصراع المستمر لأكثر من عامين في سوريا ... ؟
أسئلةٌ كثيرة تحتاج إلى إجابات وكافة الاحتمالات ما تزال مفتوحة على مصراعيها ... لكن الشكوك ما زالت تدور حول إمكانية أن طرفاً ثالثاً من كبار المسؤولين في الدولة ، كان مجرد حد السكين التي تمسك بمقبضها
الولايات المتحدة الأمريكية ، قام بإعطاء الأوامر بأن يستشيط الكيماوي في الغوطة الشرقية دون علم الأسد و بإيعاز من واشنطن ... لتبدأ الأخيرة بركل ورفس النظام والمعارضة في آنٍ معاً ، لصالح الطرف الثالث الذي لم يمانع بالانحناء قليلاً لكي يتلقى النظام صفعةً من حلفائه في موسكو وطهران
قبل المتربصين به ... هذا الطرف تعول عليه واشنطن كثيراً فهو يشكل بالنسبة لها بديلاً مناسباً لورقة الأسد المحروقة مع حفظ ماء وجهها بتدخلها هذا ... مع الاحتفاظ بكافة الامتيازات والمصالح في المنطقة كل هذا بترحيب روسي - إيراني لأن مصالحهم وامتيازاتهم مضمونة بوجود الطرف الثالث .
الآن أين ما ذهبت عيونك يدور الحديث عن الضربات الأمريكية المحتملة لنظام الأسد لكن السوريين الذين يعيشون تحت آلة القصف الهمجية لا يثقون بالنوايا الأمريكية وخصوصاً بعد التصريحات الأخيرة بأن الهدف الأمريكي من الضربات هو معاقبة الأسد على استخدامه للسلاح الكيماوي وليس كما ظن بعضهم بدايةً بأن الهدف من الضربات هو القضاء على النظام السوري وإسقاط الأسد بالقوة العسكرية .
مهما يكن وفي ضوء ما سبق فإن النظام سيقوم بمعاقبة المدنيين في المناطق المحررة بقصفها بشتى أنواع الأسلحة رداً على الضربات الأمريكية وربما سنفقد آلاف الشهداء في أيام معدودة .
ويمكن القول أنه إذا كانت واشنطن تريد فعلاً معاقبة الأسد عن طريق توجيه ضربات محدودة لبعض المواقع العسكرية لإضعاف النظام وردعه على حد تعبيرها ، فلماذا إذاً تعطيه الفرصة لتوقع سيناريوهات هذه الضربات ونقل الأسلحة وتغيير بعض المواقع ولصالح من يأتي تأخير هذا العقاب ... ؟
من يتابع آخر استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية يدرك أن أوباما في موقف حرج ، فهو من صرح بأن استخدام الكيماوي في سوريا خطٌ أحمر وعلينا التدخل فور استخدامه ، بينما وبحسب موقع
( Fox News ) فإن 70 % من الأمريكيين لا يؤيدون هذا التدخل بحجة السماح للأزمة السورية أن تأخذ دورها ، ناهيك عن إعلان بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا عدم مشاركتها في أي ضربة عسكرية ضد سوريا وتردد كل من فرنسا وكندا ... لكن السؤال الأهم الآن ماذا سيفعل أوباما في حال عدم موافقة الكونغرس على شن هجمات أحادية
الجانب ضد النظام السوري ... ؟
في الواقع إن التدخل الأمريكي المحتمل لن ينهي الأزمة السورية لكنه سيكون
بمثابة حفظ ماء الوجه لأوباما ، وبمثابة تأكيد أن أمريكا ما زالت تقوم بمسؤولياتها تجاه القضايا المتعلقة بالسلم الدولي والجرائم ضد الإنسانية على غرار مجزرة الغوطة الشرقية ... هذا ما يبدو
وما خفي كان أعظم ... !
[email protected]
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية