أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الغلطة الأخيرة !... عامر عبدالحي*

أثارت الجريمة النكراء -القصف بالغازات الكيماوية المحرمة دوليا- التي ارتكبت في الغوطة الشرقية في العاصمة دمشق، العديد من إشارات الاستفهام على أصعدة شتى، داخليا وإقليميا ودوليا، بل أنها أصبحت أحجية تحتاج إلى تحليل وبحث ليس فقط لجهة معرفة الفاعل فقط بل لتحديد أبعاد دوافعه وهويته ونتائجها أيضا !

فإذا كان النظام السوري المتهم"منطقا وقدرة وفعلا ً" بارتكاب هذه الجريمة ضد الإنسانية وقتل ما لا يقل عن 1300 إنسان غالبيتهم من الأطفال والنساء، فإن السؤال والتساؤل المنطقي هو لماذا في هذا الوقت بالذات في ظل وجود فريق تفتيش الأمم المتحدة الكيماوي في دمشق؟

وعلى مقربة شديدة من الحدث، حتى لتكاد رائحة الغازات السامة الممزوجة برائحة الموت واستغاثات المحتضرين، أن تزكم أنوف وسمع الفريق الدولي، وهل كان التفجير بهدف إجباره على تغيير مسار طريقه وهدفه وإلهائه بأمر آخر مماثل عوضا عن مهمته الأساسية التي أتى لأجلها!

في التوقيت، يكاد يشي الأمر أنه تدبير استخباراتي بامتياز وناجح سواء من حيث المناسبة أو النتائج باستغلال وجود فريق التفتيش الدولي على بعد "رميه حجر"، واستحالة أن تكون جهة أخرى قد نفذت هذا الهجوم النوعي بأسلحة دمار شامل –كما يدعي النظام السوري باطلاً- وذلك بحسب شهادة محللين متخصصين في الحرب الكيماوية بسبب الإمكانيات الفنية الخاصة والتي لا تتوفر إلا بالدول.

أما من حيث الأسباب الدافعة لارتكاب هذا الفعل بعيدا عن مناسبة وجود فريق التفتيش الدولي، فثمة تحاليل ووجهات نظر مختلفة ومتضاربة أحيانا بدأت بالتسرب وعلى نطاق داخلي ضيق يرجح قيام أحد الضباط الموالين بالتصرف لغاية لم تكشف حقيقتها حتى الآن بارتكاب هذه الجريمة عن قصد مبيت، وربما يكون لإحراج النظام وإسقاطه خارجيا عبر عمل عسكري كبير، سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت حدودا حمراء كتحذير من اللجوء إليه أو استخدامه. في حين يرجح آخرون بأن أوامر صدرت من جهات عليا (العميد ماهر الأسد) في لحظة يأس وغضب، وربما ردة فعل على قيام الجيش الحر بمحاولة اغتيال بشار الأسد في أول أيام العيد، وتوارد الأنباء عن إصابة رئيس المخابرات الجوية جميل حسن خلالها، وهو ما كشف عنه اللواء سليم إدريس قائد هيئة الأركان للجيش الحر في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة أحمد الجربا.

في الوضع الميداني، يعزو البعض القيام بالمذبحة الكيماوية إلى تقدم الجيش الحر والكتائب المقاتلة على جبهة الساحل، وتكبيد النظام هناك في عقر قوته وخزان شبيحته وجنوده خسائر ذهبت بكرامته وهيبته بين مواليه، إضافة إلى خسارته السيطرة على أكثر من ثلاث عشرة قرية موالية، مما دفعه إلى افتعال ردة انتقامية مجلجلة، لمواربة وإخفاء حقيقة مظاهر التملل والضجر التي بدأت تنتشر بين موالييه.

بينما ترجع مصادر من بين الأسباب ما يشاع من تقدم فصائل مقاتلة من منشقين من الجيش السوري ممن جرى تدريبهم في الأردن برعاية أمريكية، يرافقهم جنود أمريكيون وإسرائيليون، باتجاه دمشق قد أثارت حفيظة النظام واستفزته وأراد التعبير عن جديته بتنفيذ تهديده من حرق دمشق، فيما لو جرى اقتحامها لإسقاطه وبخاصة من قبل قوى دولية.

في الحقيقة إن كل ما تقدم من تحليل واستقراء لمعرفة أسباب و دوافع ارتكاب هذه الجريمة وتوقيتها هي استنتاجات محضة وسوف تكشف قادم الأيام السبب الحقيقي من ورائه، أو ربما قد يكون البحث في أبعاد ونتائج هذا الفعل هي أقرب لفهم أسباب التصرف الآثم ودوافعه ونوايا الفاعلين -إن صح التعبير- سواء كانت لجهة الانتقام من الحاضنة الشعبية للثوار، أو من حيث إحراج النظام والمجتمع الدولي معا ً "بضربة معَلِم "!ومهما يكن من أمر فقد "فات القطار" وبانتظار ما لم يكن يتوقعه النظام !

*حقوقي وإعلامي سوري
(106)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي