"عطوان" صحافي أم صاحب دكان؟

أبعد عبد الباري عطوان عن سدة "القدس العربي" التي حكمها بسلطته كرئيس التحرير الأول والأبدي، لمدة تقارب عن 25 عاما، في وضع لا يختلف كثيرا عن أي ديكتاتور عربي بائس، لكن "عطوان" الذي عز عليه التخلي عن كرسي الصحافة، فتح له "دكانا" على هامشها مواصلا بيع كلماته وجمله الخشبية، المستوردة من متاحف القومجية البعثجية الحربجية الثورجية المتشبعة بما لم تعط، لتحظى بثوبي زور يحق لـ"عطوان" أن يتبختر بهما قبل أي صاحب "دكان كلام" من وزنه.
تأسست "القدس العربي" في 1989 واختير "عطوان" لرئاسة تحريرها، وبقي الرجل أمينا لكرسيه ملتصقا به حتى أزيح عنه في يوليو/تموز 2013!.. إذن غادر "عطوان" سلطة رئاسة التحرير، وما غادرته سلاطة لسانه، ولا تطرف آرائه، التي ذهب إلى أقصاها وهو يخط مقالا من مقالاته "الجهنمية" وتحت عنوان عز نظيره، يقول: "الضربة السورية تأجلت لهذه الأسباب .. وركبتا أوباما تصطكان خوفا من النتائج".
ربما يكون العنوان من السذاجة التي قد لايصدق معها أحد أن يصدر عن رئيس تحرير "مزمن" مثل "عطوان"، لكنه "يهون" أمام مضمون المقال، الذي سنتحفكم ببعض ما جاء فيه.
يعود "عطوان" لتاريخ 2003 ليجري "على هواه" مقارنة سطحية بين الاستعدادات لغزو العراق حينها، وبين الاستعداد لضرب نظام بشار الكيماوي: قائلا: تذكرت هذه الواقعة، مثلما تذكرت أيضا منظر كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وهو يلوح أمام جلسة خاصة لمجلس الأمن قبل الحرب بأيام، بصور قال إنها لمعامل كيماوية وبيولوجية عراقية متنقلة (شاحنات) لتبرير قرار بلاده بشن العدوان لإطاحة نظام الرئيس صدام، واحتلال العراق، تذكرتهما وأنا أشاهد وأراقب إدارة الرئيس أوباما وحلفاءها الإنكليز والفرنسيين وهم يقرعون طبول الحرب في المنطقة مجددا، استنادا إلى ادلة دامغة لديهم حول مسؤولية النظام السوري عن استخدام أسلحة كيماوية ضد أبناء شعبه في الغوطة الدمشقية.
ويضيف "عطوان" مستخدما "نا" الدالة على عظمته وقدرته على مناقشة أوباما وزعماء باريس ولندن: عندما بحثنا عن هذه الأدلة لدى الرئيس أوباما وحلفائه في لندن وباريس، قالوا لنا إنها إسرائيلية، وأن أجهزة أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي رصدت مكالمات بين ضباط سوريين تؤكد استخدامهم لهذه الأسلحة.
ويتابع "عطوان" بكل حياد وموضوعية يقتدي بها كل صحفي أمين يشعر بآلام الناس!:
نحن لا نبرئ نظام الرئيس الأسد الذي تتهمه المعارضة باستخدام هذه الأسلحة مثلما اتهمت المعارضة العراقية صدام بامتلاكها وتبين كذبها وفبركتها، ولكننا نريد تحقيقا دوليا محايدا، لأنا لم نعد نثق بكل أجهزة الاستخبارات الغربية ولا حتى بالسياسيين الغربيين، أو معظمهم، خاصة من أمثال توني بلير أكبر سياسي كاذب ومزور في التاريخ الحديث.
فالمسألة ببساطة كذبة معارضة، أرادت تشويه صورة حاكم بريء.. إذن هكذا هي الأمور عند "عطوان" ومن ليس معه في هذا التحليل، فليواصل إذن قراءة ما يقوله: نعم هناك أكثر من مئة ألف قتيل، نسبة كبيرة منهم سقطوا بقصف النظام وغاراته، والبقية برصاص قوات المعارضة المسلحة وقصفها أيضا، بأسلحة حصلوا عليها من دول عربية، والمملكة العربية السعودية وقطر على وجه الخصوص، ولكن نحن الآن أمام غزو واحتلال لبلد عربي ربما يؤدي إلى اشتعال حرب إقليمية وربما دولية تؤدي إلى مقتل مئات وربما ملايين الأشخاص، لأن ألسنة لهب هذه الحرب لن تتوقف عند حدود سوريا.
فالخوف كل الخوف ليس من قتل مؤكد "حفنة" صغيرة تضم 100 ألف سوري، بل من قتل محتمل قد يودي بحياة مئات الآلاف، و"ربما الملايين"، ولا ندري إن كان "عداد" عطوان معطلا لهذه الدرجة بحيث أن القتل قد يطال مئات أو ملايين، وما بينهما من آلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف فربما سقط سهوا!
ويواصل عطوان: لقد ولى الزمن الذي كانت تحسم فيه الضربات القوية المفاجئة الحروب في العالم، وتدفع بالمستهدفين إلى رفع رايات الاستسلام على غرار ما حدث في حرب عام 1967، والحروب السهلة بالمعايير والمواصفات القديمة انقرضت أيضا.
وبنفس "نا" المتضخمة المتورمة، يقول عطوان: أوباما خائف ومتردد لأنه سمع كلامنا وغيرنا في هذا الإطار من قبل، خائف من النتائج لأن سوريا ليست وحدها، وحلفاؤها يدركون جيدا أن هذه الحرب لن يكون بعدها أخرى، ستكون آخر الحروب في المنطقة، وسقوط سوريا يعني سقوطهم أيضا، مثلما كان سقوط العراق سقوط لأنظمة عربية أخرى، وتعزيزا للهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية.
وحتى تكتمل تشكلية الكلام في دكانه، يختم عطوان، بكلام خبيث يصلح لرواية ألف كذبة وكذبة: الشاب الجبوري الذي "فبرك" أو فبركت له المخابرات الأمريكية أكذوبة المعامل الكيمياوية والبيولوجية العراقية المتنقلة، اعترف بأكذوبته التي كلفت شعبه مليون شهيد وخمسة ملايين من الجرحى، ودمرت بلاده ونسيجها وتعايشها الاجتماعي أمام عدسات التلفزة العالمية.
هل سنكتشف دورا إسرائيليا، أو فبركة أمريكية لاحقا، وهل سنتعرف مستقبلا على "جبوري سوري"؟ ولكن بعد خراب سوريا ومقتل مئات الآلاف من أبنائها وربما أبناء الدول المجاورة؟
إيثار عبد الحق- زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية