أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خلط الأوراق ومتغيرات مشهد الثورة السورية...

يعرف العالم أجمع أن ضرب النظام المجرم لقرى الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي كان العلامة الفارقة الإجرامية الأخيرة لهذا النظام البائس.

لقد أمعن النظام في استخدام الطيران والمدفعية والصواريخ البالستية وجميع أنواع الأسلحة الثقيلة في محاولات يائسة متتابعة لإركاع الشعب المنتفض. 

ولم يكتفِ رأس النظام بالدمار الهائل الذي أصاب سوريا نتيجة هجمات الأسلحة الثقيلة وما خلفته من مئات الآلاف من الشهداء والمصابين بل فجر حقده على الشعب السوري البطل بتوجيه عشرات الهجمات الكيماوية الصغيرة والمتوسطة رائزاً ردة الفعل الدولية تجاه استعمال السلاح المحرم دولياً. 

شكل هجوم الأسبوع الماضي لحظة الانفصال بين عهدين اثنين في الثورة السورية؛ عهد الثورة وعهد مقاومة الإبادة. فقتل آلاف الأشخاص في سويعات ليس استعمالاً عادياً للسلاح ضد خصوم عسكريين أو سياسيين أو محاربين متمردين بل هو قرار واضح اتخذه من يدير القرار السوري في المليشيات الطائفية سواء في طهران أو دمشق بإبادة أكبر قدر ممكن من سكان الغوطة سعياً لتحقيق أهداف محددة. 

وبالطبع يجب على المتابع أن يبتعد في كثير من الأحيان عن التفكير المنطقي للربح والخسارة السياسية والعسكرية لدى محاولة فهم أهداف تلك الطغمة الغارقة في مزيج الايديولوجيا والمصالح والجنون. 
سعى الهجوم إلى كسر إرادة التغيير لدى الشعب السوري وبالذات في المراكز التي استحال عليه كسر شوكتها عسكرياً كالغوطة الشرقية والغربية وجنوب دمشق.

كما سعى أيضاً إلى الإبادة...نعم بكل بساطة سعى إلى "تطهير" قسم كبير من مراكز الجيش الحر وكل ما يحيط بها من الحاضن الاجتماعي المدني ليشكل ذلك الثغرة التي يضخ فيها قواته وقوات حزب الشيطان المتمركزة على تخوم الغوطة منذ أشهر تحاول دون فائدة اختراق الجبهة.

وهذا ما يفسر استغلال الجيش الأسدي للهجوم الكيماوي بالضغط الهائل على جبهتي الغوطة شرقاً وغرباً بعيد الهجوم الكيماوي.

أراد القتلة أيضاً إرسال رسالة تحذير مجنونة إلى باقي المناطق السورية وإلى دول الجوار بأن يأسه قد وصل إلى مرحلة الخيار الشمشوني وبأنه سيهدم المعبد على رأس من يحاول الإجهاز عليه من الداخل أوالخارج.

وسعى إلى مزج تلك الصيحة التحذيرية القاتلة بشائعات وتحليلات بثها هنا وهناك بأن من قام بالهجوم هو عناصر لا ترتبط بالضرورة برأس النظام بشكل مباشر بل ربما بقائد الفرقة الرابعة ماهر أو بميليشيات شيعية تم استحضارها من العراق وإيران ودول أخرى من أنحاء المعمورة، عناصر يسوؤها حشر النظام في الزاوية وبالذات بعد فتح معركة الساحل التي يرونها ويراها النظام تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة.

كان الهدف من تلك الشائعات واضحاً وهو القول بأن قرار استعمال الكيماوي المخيف سواء داخل سوريا أو خارجها قد لا يمكن التحكم به إلا من خلال العودة إلى القواعد الأولى في اللعبة وأساسها عدم فتح ترسانات السلاح أمام الجيش الحر إلا بقدر معلوم وكذلك الابتعاد عن جبهة الساحل.

وقد يقول قائل ولكنه سيدفع الثمن بلعبته تلك قصفاً من السفن والطائرات الأمريكية وربما سفن وطائرات الناتو أيضاً أقول بأن مقاربة حافة الهاوية التي طالما استعملها النظام السوري خلال تاريخه قد تكون آخر ما بقي في جعبته من مناورات اللحظة الأخيرة وبخاصة إن علمنا أن الضربة الغربية المحتملة ستكون ضربةً تأديبية لتجاوز الخطوط الحمراء وليس ضربة لاقتلاع النظام لعدم ثقة الغرب في البديل بعد الأداء المخزي للمعارضة السورية الخارجية.

ويبرز هنا الدور الروسي الذي أبدى فيما سبق استشراسا كبيرا في الدفاع عن نظام الأسد والذي دافع أيضاً عنه فيما يبدو بأنه لحظة الدفاع الأخيرة. قدم النظام من خلال آليات وزارتي الخارجية والدفاع الضمانات الكاملة بأن جيشه النظامي لم يستعمل الكيماوي في الغوطة تاركاً مجال التأويلات مفتوحاً ولكن الدب الروسي بالنتيجة لن يستطيع تجاهل ما حدث ولن يستطيع أن يواجه الغضب العابر للقارات الذي أثارته صور أطفالنا الذين اغتالهم النظام.

ستلجأ روسيا إلى إدارة جديدة للأزمة أساسها تقليل الخسائر في طريق اكتمال عناصر سقوط النظام على نحو ما فعلت في أواخر نظام صدام حسين التي لم تقدم له شيئا في نهاياته سوى نصائح الانصياع لرغبات فرق التفتيش الدولية مع بعض التصريحات وفي نهاية المطاف نصيحة التخلي التنازل النهائي عن الحكم التي حملها "بريماكوف" إلى صدام شخصياً. 

وتأتي موافقة النظام على زيارة فريق التفتيش الدولي لأماكن الهجوم الكيماوي في هذا الإطار وفي إطار منح النظام السوري وقتاً إضافياً للخروج من المصيدة التي أوقع نفسه فيها. ولكن دفاع روسيا الحالي عن النظام ربما هو الدفاع الأخير في هذا السياق وهذا الشكل، اذ ســنسمع قريباً عن حركة دبلوماسية روسية باتجاه فتح المسار التفاوضي مع قوى الثورة والمعارضة بأشكالها المتفاوتة كمسار بديل طويل الأجل وعندها سنرى سياقاً جديداً من الأحداث المتداخلة ومن خلط الأوراق. ويخطىء من يظن بأن الضربة العسكرية الأمريكية إن حصلت ستعني الحل أو ستعني شيئا آخر غير نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى أكثر تعقيداً.

ستختلط الأوراق بالتأكيد عند أول صاورخ ينزل على الأرض السورية، أقل ما يمكن توقعه هو انقسام جديد بين من يستمر بالظن بأن السيادة الوطنية السورية تعني الوقوف في وجه التدخل الأجنبي ولو تمثل في ضرب مراكز القوى العسكرية السورية التي عانى الشعب السوري من وحشيتها على مدار الثورة، وبين من يرى بحق أن لا سيادة إلا سيادة الإنسان وسيادة الشعب الذي نكل به النظام أيما تنكيل، فاقتلع منه أي احترام للسيادة التقليدية اقتلاعاً.

أما المستوى الآخر من التناقضات التي ستظهر للعيان فترتبط بنزول أول صاروخ غربي على مواقع الجماعات الإسلامية المقاتلة وبخاصة جبهة النصرة ودولة العراق والشام. وفي حين قد لا نشهد حزناً كبيراً في حال ضرب الثانية نظراً للتمهيد الإعلامي المدروس لحشرها في زاوية أقصى التطرف الأعمى فإن الأولى قد خطت خطوات كبيرة في العودة نحو الحضن السوري الدافئ والواسع وسيجلب ضرب مراكزها بالضرورة ردود أفعال رافضةٍ لأي تدخل عسكري غربي في مسارات الثورة السورية سواء بالذراع العسكرية أو السياسية. وسيؤدي ذلك إلى مضاعفات معقدة في المشهد السوري ستكون تعقيدات الحرب اللبنانية بالمقارنة معها كأحجيات الأطفال. والترياق الوحيد الذي يمكن للسوريين إعداده في حال انسياب هذا السيناريو هو في رفع الأداء السياسي للمعارضة السورية التي لم تستطع أن تتخلص من تمحور الأنا حول محور اللاكفاءة واللارؤية وضعف المناعة الوطنية.

إن المعارضات السورية وبتكلاتها المختلفة قد وصلت إلى سقفها الأعلى خلال امتحانات الاستحقاقات البسيطة الماضية، فأظهرت عجزا بنيوياً لا يمكن معه توقع أي رفعٍ في الإمكانيات أو المناعة الوطنية خلال فترة وجيزة من الزمن هو الزمن الفاصل بين ما يحدث الآن من تحضيرات لضربة عسكرية قادمة وبين التغييرات المحتملة للخارطة السياسية السورية البدائية للمعارضة. 

وفي ضوء اتخاذ القرار بالضربة العسكرية دون تدخل مجلس الأمن فإن التعامل مع التداعيات القادمة للتحركات السياسية الدولية لن تجدي معها الزيارات التعليمية التي يقوم بها أعضاء الائتلاف لبعض العواصم لتعلم الحديث السياسي وأصول البروتوكول.

إن السوريين مطالبون الآن وفي هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى بتبني مشروع وطني سوري جامع يتجاوز الأطر العجينية التي سادت حتى لحظة ضربة النظام الكيماوية على أهلنا في الغوطة الشرقية. مشروعٌ يؤسس لمنصة مرتفعة الأداء من الكفاءات الوطنية والسياسية من مختلف المشارب ترى هم الوطن السوري أكبر من المحاصصات المجلسية والائتلافية عديمة اللون والطعم. 
إن سماح الأطر الحالية التي دخلت سريعاً في مرحلة الشيخوخة السياسية وعدم القابلية للحياة وقبول من تصدر الشاشة السياسية والإعلامية طيلة السنتين الماضيتين لجهاز حقيقي أكثر قوة ومناعة ومرونة وبراعة للظهور وأخذ زمام المبادرة سعياً للتحضير للاستحقاقات القادمة هو معيار الوطنية الحقيقية ومعيار الترفع عن الإصرار على لعب دور البطولة دون مهارات البطل، فهل سينجح هؤلاء في اختبارهم الأخير؟

(104)    هل أعجبتك المقالة (106)

د. محمد غريب

2013-08-31

بالرغم من التشاؤم الذي أفرط فيه الكاتب إلا أن الحل الذي اقترحه هو حل استراتيجي لا بديل عنه لنجاح الثورة، وقد أفلح في عزو القوة في الثورة إلى إرداة وعزيمة الشعب السوري، حيث هي عامل النجاح الوحيد، مهما راهن أحد على غيره. نؤكد ونؤيد مطالبة الكاتب لـ "مشروع وطني سوري جامع" ونطالب كل سوري بتبني روح الوحدة فعلياً في السلوك العام وأن نتعلم الدرس الأول جيداً "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي