تقريباً الضربة العسكرية على سوريا أصبحت واقعاً، ومسألة توقيتها، وكيفيتها، وشدتها، متعلقة بالتأشيرات الأخيرة لأجهزة الاستخبارات الأميركية، ولكن الصحف الغربية تتحدث عن بضع أهداف محددة لها، كـ"عقاب للنظام على استخدامه السلاح الكيميائي" ضربة لا تستمر أكثر من أيام معدودات ثم تعود البلاد إلى ما كانت عليه.
"نيويورك" تايمز مساء أمس أكّدت بوضوح وفق محلليها، أن القوة التي ستستخدم لن ترجّح طرفاً على آخر في النزاع، ولن تساهم في إسقاط النظام السوري.
إذن، الكلام السابق يدحض ما أشيع على صفحات "فيسبوك" قبل أيام من تأكيدات وصلت للمعارضة "لكي تجهز نفسها تحضيراً لتسلم السلطة"، وكأن الذي كتبها يتوقع أن تعود البلاد سالمةً غانمةً أوائل أيلول/ سبتمبر والأرض مفروشة للمعارضة حتى تجلس على العرش.
"فيسبوك" بالفعل كان مضحكاً في الأيام القليلة الماضية، فلم تخلُ صفحة شعبية كانت أم عادية، معارضة أم موالية، ذات طابع رسمي أو اجتماعي، من نشر تحليلاتها سواء لطريقة الرد السوري (بعضها مسلٍّ ومضحك في آن) أو في نقاط القوة السورية التي سيضربها الأميركان والتي وصلت إلى أبي جعفر المغربي قبل أن تخرج حتى من الكونغرس أو البنتاغون.
البعض تذاكى منذ البداية، وفسّر أن الضربة ليست سوى فقاعات إعلامية كما هي العادة منذ انطلاق ثورة الحرية والكرامة في سوريا، فسّرها على أساس أن الذي سيضرب لن يعلن ذلك ولن يسرب التاريخ والكيفية، ولكن هل نسي هؤلاء أن الصغير والكبير عَلم بالقوات الأميركية المتوجهة إلى العراق قبل آذار 2003، فأرسلت معظم وسائل الإعلام العالمية أطقمها قبل شهر من خروج أول طائرة أميركية فوق الأجواء العراقية؟.
طبعاً حملات التخوين والتهليل ودعوات الدروع البشرية، لم تتوقف ولن تتوقف وستبلغ أشدها في الأيام القادمة، ولكن هناك داء عليل يصيب بعضاً منا، فالمهللون للضربة وهم كثر لم يقرؤوا التاريخ جيداً وتحمسوا بشوق وشغف لرؤية مصير بشار الأسد مشابهاً لمصير القذافي أو صدام حسين مع أن الصحف الأميركية كتبت بصريح العبارة "ضربة محدودة لا تساهم بإنهاء الصراع".
والبعض ممن لم نسمع لهم حساً وطنياً في جريمة الإبادة الكيماوية أو ما سبقها من جرائم ارتكبها النظام في العباد، بدأ بالتحدث عن الوطنيات وأخرج معلقات الدفاع الوطني واستوحى من بطولة يوسف العظمة ما يناسب المرحلة الراهنة، طبعاً الرافضين بشدة للضربة من الشبيحة يريدون أن يستفردوا بدماء الشعب السوري ومحاربة الفصائل الإسلامية المتشددة فوق الأراضي السورية ببرودة ووقت طويل حتى يحمّلوا مطالبي الحرية كل ما أصاب البلاد ويظهروهم بمظهر الخونة العملاء كما كان الحال منذ اليوم الأول.
وهناك فئة لا يُستهان بها من مناصري الثورة لا تؤمن بأن التدخل العسكري هو حل لأزمة البلاد رغم أنه أصبح واقعاً حتمياً لا مفر منه، فما كان منهم إلا أن ابتعدوا عن التهليل له ومباركته، وهذه الفئة لا يمكن تهميشها أو الاستهانة بها، أغلبهم سيقومون بأعمال تطوعية لمساعدة البلاد على النهوض من أتون الحرب في المستقبل.
في النهاية إذا ما تمت الضربة وفق الصحف الغربية فإن بشار الأسد سيبقى حياً وسيقوم من مخبئه ليرد الصاع صاعين للمعارضة وسيظهر في إعلامه أنه البطل المقدام الذي تكسرت بوارج الأمريكان على سواحله وستنطلق الأفراح الوطنية وسيصبح لنا بطل حرب جديد بعد بطل التشرينين، في حين أن الضربة ستحقق أهدافها المرسومة لها من قبل الغرب ولن تقوم بأكثر مما يطلب منها، أما المعارضة فتزداد تمزقاً.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية