أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الإسلاميون ونظام الأسد

ليس هناك من خدم النظام السوري وثبت دعائمه وأمد في عمره مثل أعدائه الإسلاميين.

نبدأ بالإخوان المسلمين، ففي نزاعهم العنيف مع نظام الأسد نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم، ارتكب الإخوان أخطاء عديدة عرف النظام الذي كان يحتكر الإعلام ويحظى بالتأييد الدولى، كيف يستغلها خلال النزاع وبعده أفضل استغلال، فحمل الإخوان مسؤولية الدم المسفوك آنذاك، وأظهرهم بصورة القتلة المجرمين من جانب، وبصورة القوة الوحيدة الجاهزة للانقضاض على السلطة في حال ذهابه، وتحويل سوريا إلى مقبرة للحياة والحضارة والتقدم من جانب آخر، فاستطاع تكوين انطباع  سيئ مخيف عنهم لدى معظم السوريين وغير السوريين، وأصبح الرد الشائع للناس العاديين بعد كل نقاش حول النظام: "شو بدك يجو الأخوان يحكمونا" مما يدل على قناعتهم بأن حكم الأخوان سيكون أشد وطأة عليهم من حكم النظام على علاته، وأن الإخوان هم البديل الوحيد الجاهز والمتربص.  

من أهم تلك الأخطاء وأخطرها أعمال العنف والاغتيالات التي باشرها الجناح المسلح من التنظيم "الطليعة المقاتلة"، والتي استهدفت بشكل خاص أفرادا من الطائفة العلوية، وكذلك رفع الشعارات الطائفية المعادية للطائفة العلوية، من قبيل "النظام العلوي" "البعث العلوي"...  

أخطاء الأخوان تلك أعطت النظام الشرعية والتغطية اللازمة لتصعيد نزاعه معهم إلى حرب أمنية عسكرية شاملة شنها على معاقلهم وبيئاتهم الحاضنة، توجت في شباط 1982 بمجزرة حماة الشهيرة التي ذهب ضحيتها قرابة الأربعين ألف شخص لا يتجاوز عدد المقاتلين منهم بضع مئات، وانتهت إلى التنكيل بأعضاء الجماعة وتهجيرهم وشطبهم نهائيا من المشهد السياسي السوري لثلاثين عاما، وذلك وسط رضى سوري عام، ورضى دولي عام أيضا، تبدى بصمت المجتمع الدولي المريب عن مجازر وانتهاكات بذلك الحجم. 

لم تتوقف مكاسب النظام عند تصفية الإخوان المسلمين على الأرض بل أتبع ذلك بحملة أمنية واسعة على قوى المعارضة، ومنها بشكل خاص التجمع الوطني الديمقراطي بأحزابه الخمس آنذاك، بسبب تعاطفهم مع الإخوان في نزاعهم مع النظام، فاستطاع بتلك الحملة توجيه ضربة قاصمة لهم أدت إلى إضعافهم وتقليص نشاطهم السياسي إلى الحدود الدنيا.

بعبع الإخوان الذي نفخه النظام عشرات الأضعاف، كان المبرر أيضا لتضخيم الأجهزة الأمنية أفقيا وشاقوليا، وازدياد حضورها وسيطرتها على كل مفاصل البلد وتفاصيل الحياة، فأصبح لرجالها سطوة غير مسبوقة، ولأقبيتها سمعة غير مرموقة... ودائما كان مبرر خنوع الناس ورضاهم عن حضور وممارسات تلك الأجهزة يتلخص بعبارة "أحسن ما يجونا الإخوان".   

خدمة أخرى هامة ومفصلية قدمتها أخطاء الإخوان للنظام، فقد مكنته من استخدام فزاعة الإخوان لشحن الطائفة العلوية بالخوف على مصيرها ومستقبل أبنائها من هؤلاء الإسلاميين السنة الوحوش الذين لا هم لهم سوى قتل وإذلال العلويين، فاستهداف العلويين بالاغتيالات ورفع الشعارات الطائفية ضدهم سهل كثيرا مهمة النظام في استمالة أبناء الطائفة وإقناعهم بالوقوف إلى جانبه، فبدأت الطائفة العلوية منذ تاريخه تتحول إلى حاضنة للنظام وعمقا له.

كذلك الأمر بالنسبة للأقليات الدينية الأخرى، فبسبب خوفها من فزاعة الاسلاميين بقيت إلى جانب النظام منذ انطلاق الحراك الثوري، ووقف جزء منها على الحياد  في أحسن الأحوال، ونظرت إلى الحراك بريبة وحذر فقط لأنه يحمل لونا إسلاميا، وسيتوج غالبا في حال انتصاره بمجيء الإسلاميين إلى السلطة. 

مسلسل أخطاء الإخوان لم يتوقف، فمع بداية الثورة، ورغم أنهم فوجؤوا بها كغيرهم، ولم يكن لهم اي فضل على نشوئها وتصاعدها، بدؤوا يتصرفون كما لو أنهم أصحابها، ولم يدخروا وسيلة إلا واستخدموها في سبيل تصدر المشهد السياسي، بدءا باسترضاء الدول الفاعلة والمؤثرة في المشهد السوري مثل قطر وتركيا والولايات المتحدة، مرورا باستخدام المال السياسي والتحكم بالعمل الإغاثي لشراء الولاءات وكسب المؤيدين، وصولا لتدمير أي عمل مشترك للمعارضة لا يخدم هدفهم الرئيس، السلطة...

شراهة الأخوان المسلمين للسلطة، وجعلها هدفهم الأول، ورؤيتهم لكل شيء من خلال هذا الهدف، ساعد على إضعاف وتدمير اي عمل جماعي معارض ذو تأثير وقيمة، وبشكل خاص المجلس الوطني ثم الإئتلاف، وبالنتيجة ساهم ذلك في إضعاف الثورة وصب أولا وأخيرا في مصلحة النظام.

لا أقصد بالطبع رفع المسؤولية عن الآخرين في المعارضة، فالجميع ساهم، بغير قصد، في أذية الثورة وخدمة النظام، سواء بغبائه السياسي، أو بأمراضه المزمنة، أو بقصور نظره وضيق أفقه... لكن إبرازي لدور الإخوان إنما لخدمة غرض هذه المقالة الذي هو توضيح دور الإسلاميين في تثبيت نظام الأسد.     

نظام الأسد عمل المستحيل منذ بداية الثورة لإضفاء الطابع الإسلامي عليها، لأنه يعرف مدى تأثير ذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي، واندفع باللعبة الطائفية إلى مداها لتحريض النزعة الطائفية لدى السنة، واستدعاء التنظيمات الإسلامية السلفية المتشددة للحضور إلى سوريا والتدخل لحماية أترابهم من أهل السنة، فيكون في ذلك خلاصه، لأن الناس ستتساهل مع وساخة النظام أمام البديل الإسلامي المخيف. وشرب الجميع المقلب، وحضر الإسلاميون المتشددون على اختلاف مشاربهم للقتال في سوريا، وارتكبوا ما لا يحصى من الأخطاء، بدءا بتسمية كتائبهم والويتهم، مرورا بالمجاهرة بأهدافهم في إقامة دولة السلف الصالح، وصولا لتطبيق حدود الله على الناس في الساحات.. مما شكل خشبة الخلاص للنظام، فتعمق التصاق الطائفة العلوية به، وبقيت الأقليات الدينية إلى جانبه، ونأت دول الغرب عن التدخل لإسقاطه ودعم معارضيه، فبقيت الثورة وحيدة يتيمة حافية عارية في وجه نظام قبيح مدجج بالسلاح والحقد والهمجية، ومدعوم حتى النخاع من حلفاء لا يقلون عنه قبحا وهمجية.

(111)    هل أعجبتك المقالة (140)

ميلاد

2013-08-23

الكاتب مصيب بالتحليل. طبعا مو المفترض أبدا، و لا بأي حال من الأحوال، المقارنة بين أخطاء الإخوان و جرائم النظام السوري الوحشية. بس لازم نعرف إنو النظام بيسحتاج دوما إلى جريمة مرتكبة من أطراف محسوبة على المعارضة، و غير مدانة بالشكل الكافي من المعارضة، لحتى يدخلها بآلتوا الإعلامية. كل المعلقين المؤيدين للنظام بيستحضروا بين الكلمة و الكلمة حادثة الطفل ياللي عطوه سيف ليقطع راس شخص، أو حادثة "آكل القلوب" أو غيرون من جرائم. هي الجرائم على قلتها ما حظيت بالتنديد الكافي من جمهور الثورة و هو عم يستغل هالشي. .. بقي خطأ آخر للإخوان، أو الإسلاميين بشكل عام، دايما بيكرروه، هو إنون بيقيسوا شعبيتون بنسبة المسلمين السنة بطبيعة الحال بالمجتمع. و هاد الشي دوما عم يترتب عليه وهم كبير عندون و عند مؤيدينون بحجمون بالشارع. و هو بأحسن الأحوال بيضاعف حجمون ياللي هو بالحقيقة ما بيتجاوز نص النسبة ياللي متخيلينا..


أبن القاعة

2013-08-23

ليس من الغريب يا سيد نادر أن تكون متحاملا جدا على الإسلاميين فهذا شئ طبيعي كونك من الأقليلات التي تتحدث عنها حتى لو لم يكن ذلك بإختيارك و لكن كان بإمكانك أن تكون أكثر إنصافا باستعراضك لمسألة الإسلاميين في سوريا و تتحرر من عقدة الخوف التي بداخلك و داخل كل الأقليات تجاه الإسلاميين و أكبر دليل على ذلك هو صديقك الأب باولو الذي فند كل المخاوف التي تثار حول الكتائب و القوى الإسلامية أعرف سوف تقول لي هم من خطفوه و ربما قتلوه و لكن أجيبك أن تلك العملية لا تخرج خارج دائرة النظام و أعوانه و حتى الأن لا نعرف حيثيات إختفاء الأب باولو المهم يا سيد نادر عليك أن تتذكر و أنت المثقف أن مشاكلنا في الشرق الأوسط بدأت مع بداية تدخل القوى الغربية في المنطقة مع ضعف الدولة العثمانية التي حافظت على وجود الأقليات قرون طويلة في المنطقة ليس كما فعل الغرب المسيحي في الأندلس و حديثا في البلقان تدخل الغرب بحجة حماية الأقليات أجبني يا سيد نادر كيان لبنان أليس كيان طائفي أقامته فرنسا للمسيحيين في المنطقة و ماذا عن دولة العلويين في اللاذقية و جيش الشرق الفرنسي الذي ضم الأقليات و أصبح فيما بعد نواة الجيش السوري لا أريد أن أستعرض التاريخ الأن و لكن أين كانت الأغلبية السنية خلال هذه الفترة الجواب كانت مغيبة و مبتعدة عن ثقافتها و هويتها الإسلامية و تغلب عليها الأفكار القومية التي زرعها فينا المثقفين العرب و خاصة المسيحيين منهم بعد الثورة الفرنسية بهدف إيجاد بديل عن الهوية و الفكر الإسلامي في المنطقة العربية طبعا خلال تلك الفترة و التي إمتدت حتى نهاية الستينيات لم يكن لك و لكل الأقليات خوف يذكر من الحركات الإسلامية التي لم يكن لها قوة تذكر و لكن بعد فشل الأنظمة القومية المفلسة في مصر و سوريا و العراق و إنفضاحها و خاصة بعد هزيمة 1967 بدأت القوى الإسلامية تقوى و السبب هو إدراك الناس أن الدولة القومية فاشلة بكل المقاييس لم تجر علينا سوى الخراب و الويلات طبعا الصحوة الإسلامية شملت المنطقة كلها و تفاوتت بين بلد و أخر و الصحوة لا تكون بين يوم و ليلة بل تحتاج سنوات طويلة و ما يهمنا في سوريا كان الإخوان المسلمون هم القوة المعارضة الحقيقة الوحيدة لنظام طائفي تستر تحت عباءة القومية و كان هذا النظام مدعوم من كل العالم شرقا و غربا ربما النظام الوحيد بعد إسرائيل الذي نال هذا الحجم من الدعم الدولي لأنه كان ينفذ أجندات الدول الكبرى قاطبة أمريكا و روسيا و إسرائيل و طبعا تحالف مع إيران قبل و بعد الثورة الإيرانية و لاتنسى أن الرئيس الأمريكي نيكسون هو من بارك حكم أل الأسد لسوريا عام 1974 و أولبريت هي التي باركت إنتقال السلطة لبشار بعد وفاة المقبور حافظ لقد واجه الإخوان المسلون في السبعينيا و الثمانينيات نظام مدعوم من كل العالم و لم يكن هناك و لم يرتكب الإخوان تلك الأخطاء التي تتكلم عنها التي ساعدت على بقاء النظام لأن النظام بقي لأن القوى العظمى كانت تريد ذلك أما الأقليات و حتى جزء من الأكثرية كانو يصدقون روية النظام عن الإخون لأنه لم يكن هنالك وسائل إعلام مستقلة مثل قناة الجزيرة و طبعا لم يجد النظام صعوبة تذكر في إقناع الأقليات بروايته لأنهم هم كانو مستعدين لقبول رواية و أكاذيب النظام عن الإخوان لخوفهم من وصول الإسلام للحكم في البلاد و لأنهم كانو يتمنون لو بقيت الأكثرية السنية في نومها تذكر يا سيد نادر تحالف كل من العلوية و الدروز و الإسماعيليين في الجيش على السنة خلا فترة الستينيات ثم بعد إقصاء السنة من الجيش الكل سعى للسيطرة على الحكم و فاز العلويين في الصراع تذكر سليم حاطوم و كتلته الدرزية و عبد الكريم الجندي و كتلته العلوية و لكن أين كان المسيحييون من هذا الصراع كانو يراقبون و هم ضامنون لمصالحهم مع أي طرف يكسب وهم لو لم يكونو مسيحيين يعلمون أنه من المستحيل سيطرتهم على الحكم في أكثرية مسلمة لكان الغرب سلمهم السلطة و هنا أذكر لك مثلا ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث سما نفسه أحمد ميشيل عفلق حتى يصبح مقبول عند الأكثرية المسلمة يعني يا سيد نادر الصراع صراع سلطة تغذيه أحقاد دينية و طائفية الكل كان متربص بالسنة لأن السنة هم الأكثرية و ضمانة السنة في سوريا هي أكثريتهم الساحقة بينما الإقليات ضمانتها هي عدم وصول السنة للحكم كما قال لافروف فالمسألة ليست أخطاء إسلاميين كما تدعي و سيسعا الغرب و بمباركة من الأقليات في حال سقوط النظام لزرع نظام عسكري ديكتاتوري أو تحالف من الأقليات مع جزء يختارونه هم من الأكثرية السنية كما حدث الأن في مصر نظام عسكري ديكتاتوري لأن الديمقراطية حتما ستجلب الإسلاميين الذين لا يقبل بهم الغرب السيحي من باعث الحقد الديني و أكبر مثال تصريحات الفاتيكان حديثا التي نفت أن يكون لنظام العلوي هو من إستخدم الكيماوي في الغوطة على أي شئ إستند و أصلا ما علاقة الفاتيكان بالموضوع.


نادر جبلي

2013-08-24

أشكرك أخي ابن القاعة مرة أخرى على اهتمامك بما أكتب، لكن يذهلني إصرارك على التعامل معي كمسيحي، رغم أنني أكدت لك في المرتين السابقتين بأنني مسيحي بحكم المولد فقط، لكنني علماني ولا مكان للدين في ثقافتي وحياتي، ولا أحمل أي موقف سلبي من أي دين، وأحب المسلمين مثلما أحب المسيحيين وكل أبناء الطوائف الأخرى، والدين لا يلعب أي دور في نظرتي وتقييمي للأشخاص، فأنا سوري أولا وسوري ثانيا وسوري عاشرا... وانتقادي لأخطاء الإسلاميين وليس المسلمين نابع من سوريتي وليس من مسيحيتي، فأرجو أن ننتهي من هذا الموضوع. أما بعد فهذه المقالة مختصة بالنظر في أخطاء الإسلامين واستثمار النظام لها في بقائه وسيطرته، لكن هذا لا يعني أن غيرهم لم يخطئ وأن الغرب لم يدعم ويغطي النظام .... ثم اسمح لي أن أختلف معك في فكرة حقد الغرب على الإسلام والمسلمين، فهذه الفكرة ليست واردة في ثقافة وتفكير الغرب لا من بعيد ولا من قريب، فلا شيء يحرك حكومات الغرب إلا مصالح شعوبها... وأنا بالنهاية لست مسؤولا عن الغرب والفاتيكان... تقبل احترامي.


١١١

2013-09-13

مقال مميز .


فلسطيني ابن سوريا

2013-09-13

السلام عليكم اخي نادر قرأت مقالك ورد الاخ ابن القاعة وردك عليه ، اسمح لي ان ادلو بدلوي واقول ربما بل كلامك في المقال يلامس الكثير من الحقيقة اما في جوابك على الاخ ابن القاعة بأن الغرب لا يحقد على المسلمين فهذا كلام خاطئ بالنسبة لي كمسلم لاني اؤومن بما انزل من رب العالمين وهو يقول ولن ترضى عنك اليهود والنصارى ولذلك انا اقول ان الغرب لن يرضى عنا.


التعليقات (5)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي