قبل اندلاع الثورة بأيام كان على مكتب وزير الإعلام السوري 36 طلبا لترخيص محطات تلفزيونية قدمها مستثمرون سوريون منذ أعوام، ولم يبت بها لا سلبا ولا إيجابا، ومع اندلاع الثورة انتظر الشعب مواقف الفنانين والمثقفين والكتاب بشغف، غير إن مواقف الفنانين جاءت مخيبة لكلا الطرفين، فلا النظام راض عن مواقف الممثلين الذين كانوا قريبين منه، بل إن بعض النجوم كانوا أصدقاء شخصيين لبشار الأسد، ولا الثوار شعروا بأن مواقف نجومهم المفضلين كانت حاسمة وواضحة.
الحقيقة أن هذا الموقف الغامض لكثير من النجوم (وهو موقف مربك) يخفي خلفه أسبابا قد تكون مقدمة هذا الموضوع أهمها، أن لقمة عيش الفنان، بل وحتى شهرته وتحوله إلى نجم كليا مرتبط بظهوره على الشاشات والفضائيات في أدوار متعددة، لكون الدراما السورية ارتبطت عبر السنوات الماضية بممولين خليجيين وكانت حياتها واستمراريتها مربوطة بحبل سري إلى المحطات الخليجية التي تملك المال اللازم، ترددت مواقف نجوم الدراما السورية، وفقا لتردد بعض أصحاب المحطات ومموليها، فكان الالتباس هو السمة العامة لمواقف كثير من نجومنا.
إن رفض النظام منح تراخيص محطات سورية دفع بالفنان المحلي إلى التمسك بحبال المال الخليجي وجعل منه تابعا فكريا وسياسيا وثقافيا لمواقف تلك المحطات وسياساتها، التي بدت هي الأخرى ملتبسة المواقف إزاء الثورة السورية ما عدا المحطات الإخبارية.
ولأنه كان واضحا أن المحطات الدرامية والمنوعة غير معنية بما يحدث في سوريا، ولأن علاقة النجم السوري بهذه المحطات –تقريبا- هي علاقة المتحول بالثابت، فإن مواقف معظم الفنانين أيضا جاءت متطابقة مع مواقف المحطات، التي تدفع لهم وتستثمر نجوميتهم.
قد يتساءل البعض عن دور شركات الإنتاج السورية وهي توحي بالكثرة والضخامة الانتاجية أيضا، ولكن الحقيقة تقول أن 99 بالمائة من تلك الشركات تعمل بأموال خليجية، وهي عبارة عن منتج منفذ للمحطات الخليجية وتتعامل مع الدراما بنجومها وكتابها وفنييها على أنهم سلعة تجارية يجب أن ترضي ذوق المشتري (المستهلك)، اللهم إلا إذا استثنينا شركة سوريا الدولية التي يملكها رجل الأعمال "محمد حمشو" من بين نحو 20 شركة استثمارية أخرى.
خيّب بعض النجوم آمال عشاقهم ومعجبيهم بعد ترددهم أو معاداة بعضهم للثورة؛ لأسباب يراها الجمهور غير مقنعة، وفيما قفز بعضهم من مركب النظام وهم يشعرون أنه يغرق به وبهم، آثر آخرون البقاء في صف النظام، أما النجوم الذين وقفوا مع الثورة بشكل واضح وصريح فهم قلة في حقيقة الأمر ولا يشكلون نسبة مهمة، ويأتي في مقدمتهم النجمة يارا صبري وزوجها الفنان ماهر صليبي والفنان فارس الحلو، وشيخ المخرجين السوريين الفنان هيثم حقي وزوجته المخرجة والشاعرة هالة محمد، وشقيقها المخرج أسامة محمد، ومحمد ملص، والأخيرين مخرجين سينمائيين لم تكن لهما أي أعمال تلفزيونية.
يتساءل الجمهور الآن: ألا تستحق ثورة الحرية تضحية من النجم السوري حتى لو خسر بعض الأعمال؟ الحق أقول: نعم.. الثورة تستحق ولكن من يملك ومن يعيش حياة شبه رفاهية، تخف لديه الرغبة في المغامرة والتضحية بحياته المترفة، وتضعف ملكة الشجاعة لديه.
في الأشهر الأخيرة بدأ بعض النجوم بتغيير مواقفهم من الثورة، وأعلنوا انضمامهم لها علنا وعلى رؤوس الأشهاد، ومنهم النجم سامر المصري، وغيره من القافزين من المركب الغارق، غير أن هذا لا يكفي والأمر يحتاج إلى التضحية بأعمال سنة واحدة فقط من جميع الفنانين وخاصة النجوم منهم، فالشعب أعطاهم محبته واحترامه وينتظر منهم أن يردوا هذه المحبة.
مقال ينشر كل اسبوع
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية