أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بشائر النصر هلّت ولكن... محمد حمدان*

منذ معركة خان العسل حتى اليوم، حالة من الذعر غير المسبوق تسيطر على الكثيرين، من موالاة باتت توقن برحيل الأسد رغم وعود المقاومة والبقاء، ومن معارضة أيقنت أن الأفعال على الأرض أهم من أقوالها ومواقفها، ومن أطراف عربية باتت تفكر في إعادة التوازنات، ومن أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة التي لا تراهن إلا على الحصان الرابح.

صور قتلى الجيش النظامي رغم قسوتها في خان العسل وردود الأفعال الكبيرة حولها كانت رسالة قوية للنظام السوري ولأنصاره ولعلها كانت أول صدمة تخرجهم من عسل الوعود والمقاومة.
أيامٌ بعدها كان انفجار مستودع الأسلحة في وادي الذهب، الحي الموالي للنظام السوري في مدينة حمص، والذي رسم كرة نارية أشبه بانفجار هيروشيما كشفت الكثير من الغباش والعتمة عن أعين الموالاة أيضاً. لأول مرة ينزل أنصار الأسد إلى أقبية الأبنية وأول مرة يشعرون بشعور أنصار الثورة على مدى 28 شهراً.

الصدمات تتالت بسيطرة لواء الإسلام، أحد أقوى الألوية الثورية والأكثر تنظيماً في ريف دمشق، على مستودعات للصواريخ المتطورة في هضبة القلمون على مشارف مدينة يبرود، بعد ذلك كانت الصدمة الأكبر بسيطرة الثوار على مطار منغ العسكري، وانتقالهم على الفور إلى مطار كويرس لتحريره بغية فرض منطقة حظر جوي على الشمال السوري بأكمله وإن كانت صواريخ النظام المتطورة لن تتوقف على ضرب الشمال الحلبي قادمة من الفرقة الثالثة في منطقة القطيفة في ريف دمشق.

منذ أيام "هلَّت البشاير" -كما اصطلح أهل درعا القول- هذه المرة من جبال اللاذقية بسيطرة الثوار على إحدى عشرة قرية ساحلية وعدد من المراصد العسكرية للنظام، ليصبح على مشارف منطقة القرداحة وقراها، مسقط رأس عائلة الأسد الأب والأبن.

ما يحدث في جبال اللاذقية أمر مفاجئ دون أدنى شك كما وصفت رويترز، ولكن المفاجئ أيضاً كانت إطلالَتي الأسد عبر الشاشات في داريا وفي ليلة القدر.

البعض اعتبرها اطلالة الوداع وهو يرى الثوار يقودون رتلاً من الدبابات على أطراف العاصمة دمشق والتي كان بعضها من غنائم الفرقة الرابعة.

الإطلالة الأخيرة اليوم في صلاة عيد الفطر، المشكك بتوقيتها، والتي رافقتها قذائف الهاون على موكبه وفي مكان إقامته في حي المالكي من قبل الكتائب الإسلامية، زادت الأمور تعقيداً والرعب بدا أكثر وضوحاً.

"أين نذهب؟" يسأل الموالون للأسد، مع نزوح العائلات العلوية من قراها إلى العائلات السنية في اللاذقية. لم يعد من مكان آمن.

توازن الرعب الذي صرح به أحد قياديي الجيش الحر، العقيد عبد الحميد زكريا، بأنه آن الأوان ليعلم الأسد أن قصف القرى السنية سيرافقه قصف للقرى الموالية له.

وهذا ما سيفرض عليه إعادة حساباته في وقت ملأت في صور القتلى والنعوات جدران المدن والقرى الساحلية وخيمات العزاء قائمة ولا تتوقف.

على صعيد آخر من الأمور غير المفاجئة بل المدبَّرة حسب النشطاء، كان تراجع دور الجيش الحر على الأرض أمام الجماعات الجهادية، إذ لم يعد خفياً أن أغلب الاشتباكات مع الجيش النظامي تقودها كتائب إسلامية، في ريف دمشق (الغوطة والقلمون) في حلب وحاليا في اللاذقية، فضلا عن السيطرة الكاملة لتنظيمات متل "دولة العراق والشام" وجبهة النصرة على محافظات وأماكن بأكملها كما في الرقة والحسكة وجزء كبير من الريف الحلبي.

في ضوء ذلك كله، ما تزال المعارضة السورية-القاصر- لعدم بلوغها سن الرشد السياسي كما يقول الشارع، هي الخاصرة الرخوة في الثورة، فهي ترغب بإسقاط النظام مهما كان البديل، هي تقول بأن التيار الإسلامي فرض نفسه على أي تسوية أو خارطة ديمقراطية أو انتخابات في سوريا المستقبل، وهذا أمر منطقي لكن لماذا تترك الدفة فقط للتيارات الإسلامية ولماذا يهمَّش ضباط الجيش الحر، لماذا تتسول عائلات الضباط المنشقين أجور السكن والمعيشة؟
جزء من الإجابة كان في تصريح المعارض السوري يحيى الكردي، نشرته جريدة "زمان الوصل"، قال فيه لماذا لا نعترف بأن قيادة الأركان لا تمون على مقاتل واحد على الأرض، وذكر مثالاً عن الممارسات غير الأخلاقية التي يقوم بها من هم محسوبون على الثورة.

يقول عضو الائتلاف الوطني المعارض: "نحن لا نسيطر ولا على أي منطقة كاملة. لماذا لا نعترف ونقول إن مقاتلينا لا يلزمهم السلاح النوعي، بل يلزمهم رغيف خبز ليأكلوا.

لماذا لا نعترف أن لا أحد من أعضاء الائتلاف يجرؤ على الدخول إلى منطقة ندعي أنها محررة".
الملفت أن البيت الابيض يقرأ حال المعارضة لسورية جيدا، لذا اتخذ قراراً بدعم اللواء سليم ادريس رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الحر، ليكون الخطة (ب) في حال إطلاق رصاصة الرحمة على الائتلاف، لذا كان حاضراً في زيارة الائتلاف الأخيرة لفرنسا والولايات المتحدة.

في ضوء تقدم الثوار على الأرض لم يعد المشهد ضبابياً لهم على اختلاف مشاربهم الدينية، ولكنه يبدو كذلك بالنسبة للمعارضة وأكثر وضوحاً لمراكز القرار الدولي، هم لا يريدون "اصطياد عصفورين بحجر واحد"، بل يريدون إصطياد كل اللاعبين الإقليميين في المنطقة واسقطاهم في فخ الحرب بشكل مباشر أو عن طريق الحرب بالوكالة كما تفعل إيران بأذرعها العسكرية كحزب الله والميليشيات العراقية.

* مدير تحرير "زمان الوصل الانجليزية"
(123)    هل أعجبتك المقالة (120)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي