37 عاما ولايزال الجرح مشرعا على النزف، والأنين يتردد صداه في وجدان سحيق، وذكريات الظلم والظلام معششة في الأذهان تأبى الرحيل.. هذه باختصار قصة مذبحة تل الزعتر، وهو اختصار مُخلّ ومُقلّ، لأن المذابح التي ينفذها "بشر" دائما ما تستعصي على الوصف بكل لغات البشر!
في 12 آب/أغسطس 1976 كان للفلسطينين الموسومين بوسوم اللجوء والتشرد، موعد آخر مع الذبح، رغم أنهم ظنوا النجاة منه بعدما تركوا لعصابات الصهاينة "الجمل بما حمل"، ولكن حساب "حقول" اللاجئين القاحلة لم ينطبق على حساب "بيادر" القتلة التي كانت مليئة بـ"غلال" الدم الواجب إراقته، حتى يسلم "شرف" الطاغية المدافع عن قضية فلسطين من الأذى.
كان في المذبحة "أستاذ" وكان هناك "تلاميذ"، وبالمنطوق الدارج كان هناك "معلم" و"صبيان" أو "أجراء"، وإذا كانت مليشيات التطرف اللبناني (وهي معروفة) قد ظهرت وكأنها المسيطر على وضع "تل الزعتر" حينها، والمهيمن على قرار اقتحامه وذبح قرابة 3 آلاف من أبنائه، فإن هذا الظهور لـ"الصبيان" وكأنهم "معلمون" كان بقرار وإرادة "المعلم" الحقيقي، الذي حرص على بقاء حضوره في المجزرة "مواربا"، ليبعث رسالة مزدوجة، ترهب من يحاول تحديه، وتزيد سماكة الغشاوة على من يطيعونه بعماء، ويسيرون وراءه بوصفه "أبو الصمود والتصدي"، وفيهم وبكل أسى فلسطينيون غير قليلين!
تاريخ تل الزعتر، ليس ملتبسا ولا مشوشا كما يحاول أن يدعي البعض، فـ"المعلم" الذي غطى المقتلة الفلسطينية العظيمة، واضح وضوح الشمس، "وصبيانه" ما زالوا في الملعب اللبناني، إن لم يكون بشخوصهم فبمن ورث نهجهم، وسار على دربهم، لكن التاريخ –وهذه إحدى معضلاته- لا يقبل سوى الأرقام والوثائق والتواريخ والإثباتات، وكل هذه أدوات لا يدخر القاتل جهدا في محو آثارها من مسرح الجريمة.
أما ما لا يستطيع القاتل محوه، فهو الذاكرة، وهذه الذاكرة تتجدد وربما تنتعش مع دوران عجلة الزمن، التي لا يمكن لأي مخلوق أن يضع "العصي" فيها لمنع دورانها!
ذبُح فلسطينيو "تل الزعتر" يوما على يد "الوالد"، وهاهم إخوة لهم يذبحون مرات على يد "الولد"، حيث قدم فلسطينيو سوريا قرابة 1400 شهيد على مذبح الثورة، ومازال الذبح مستمرا، إذ ليس لدى كبير الطغاة أداة لجز رقاب الفلسطينيين "أسمى" من سيف المقاومة والممانعة المشهر باسم فلسطين نفسها!
إيثار عبد الحق من أسرة "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية