خطة التحول الديمقراطي في سوريا ...لماذا؟

كانت ولادة الثورة السورية معجزة بحد ذاتها بالنظر إلى قسوة نظام الأسد ووحشيته التي كان يعرفها الجميع خاصة وأن ما حدث في سنوات الثمانينات ما زال ماثلا في أذهان كل السوريين، لقد أذهلت الثورة السورية العالم بأسره لمجرد اندلاعها، وكان أكثر من ذُهل لمشاهد المظاهرات السلمية المنددة بالظلم والفساد هم الشعب السوري نفسه الذي اكتشف قوته فجأة وعلى رأسه المعارضون السياسيون، لقد كان خروج المظاهرات السلمية الداعية لتغيير نظام دمّر البنية السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للدولة وفي كل المحافظات تقريباً أمراً من المستحيل على السوريين تخيّله.
في الأشهر الأولى من عمر الثورة لم يفكّر أحدٌ في المرحلة الانتقالية بشكل جدي، باستثناء النظام ورجالاته الذين قرروا أن لا فرصة لأي تغيير، وأنهم سينتهجون أي نوع ممكن من العنف لمواجهة وإنهاء ذلك الحراك، فقد اعتقد نظام الأسد أن الإصلاح الجدي يعني نهايته ونهاية سيطرته إلى الأبد.
غير أن الشعب السوري الذي كان يطالب بالتغيير سلمياً في الميادين والساحات وفي كافة المدن والقرى ويقدم الشهداء كل يوم تقريباً، بالعشرات ومن ثم بالمئات، لم يكن حقيقة في معرض التفكير بالمستقبل، فقد سادت في تلك الأيام أجواء متناقضة بين السوريين بين متفائلٍ بسرعة سقوط النظام وبين متشائمٍ بأنه قد لا يسقط وسيبقى لسنوات، كما كان هناك من يؤيد النظام ويعارض الحراك ضده، وآخرون لا يرون مصلحةً في تغيير النظام ويدعون لإصلاحه تدريجياً وهو ما يفسر ربما تأخر الانشقاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية عن النظام كما حصل في الثورتين الليبية واليمنية، وهنا ظهرت أهمية دور معارضة سياسية قوية ترسم خارطة للمستقبل السوري القريب وتضع خططاً للتغيير الجذري.
بعد مرور ستة أشهر على اندلاع الأحداث وتزامناً مع ظهور الجيش السوري الحر المكوّن من منشقين عن جيش النظام مع عددٍ من المدنيين الذين تطوعوا لحماية أحيائهم ومدنهم وقراهم، تم تشكيل أول تجمع بارز لقوى المعارضة السورية، فقد تم تأسيس تحالف أريد له أن يكون مظلة سياسية للثورة السورية وكان من الطبيعي أن تكون كل تحركات قادته خارج سوريا بسبب الوضع الأمني داخلياً، وقد أطلق على هذا التحالف اسم المجلس الوطني السوري تيمناً بالمجلس الوطني الليبي الانتقالي الذي قاد الثورة الليبية لانتصار عسكري تاريخي على معمر القذافي ومليشياته وبدعمٍ من المجتمع الدولي.
لكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل في سوريا ليس بالمهمة السهلة، فلقد ظهر التفكك في المعارضة السورية في الداخل والخارج، فبعد أربعين سنة من حكم العائلة الواحدة بات الفراغ السياسي داخل سوريا كبيراً جداً لدرجة أن المعارضة السورية المقسّمة وجدت صعوبة في الإجماع على أمور التمثيل والقيادة وبناء الرؤية المشتركة ناهيك عن وضع الخطط المستقبلية لبناء سوريا جديدة، وبالرغم من إقامة كتل المعارضة المختلفة مثل المجلس الوطني السوري ومن بعده الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية للعديد من المؤتمرات لمناقشة الإصلاح الحكومي والمطالبة بوضع نهاية لحكم الأسد، لم ينجح أي تجمع في ضم وتمثيل جميع الفئات العرقية، والدينية، والثقافية، والسياسية المتنوعة في سوريا، وأيضاً لم ينجح أي تجمع في تقديم خطة مفصلة لمستقبل سوريا.
قدّم المجلس الوطني السوري رؤيته للمرحلة الانتقالية لسوريا الجديدة كما أسماها في نيسان/ أبريل 2012 ، لقد كانت عامةً بالإجمال وركزت فقط على الجانب السياسي والاقتصادي المتمثل في مطلب الثورة الرئيسي وهو رحيل الرئيس بشار الأسد، لكنها طوّرت عدداً من المبادئ الرئيسية للمرحلة الانتقالية والتي يتقاطع معها بيت الخبرة السوري في الكثير منها.
بعد ذلك اتفقت المعارضة السياسية في القاهرة في تموز/ يوليو 2012 على ما أسمته "الرؤية السياسية المشتركة لملامح المرحلة الانتقاليّة كما أقرها مؤتمر المعارضة السورية المنعقد تحت رعاية جامعة الدول العربية واعتبرت هذه الوثيقة أنها الوثيقة المتوافق عليها بين كل تيارات المعارضة السياسية السورية التي شاركت في المؤتمر، لكن الوثيقة تضمنت الكثير من الرؤى العامة جداً والنظرية والتي أصبحت جزءا من التاريخ بعد التغيرات والتحولات التي شهدتها الثورة السورية على الأرض.
أصبحت الحاجة إلى إيجاد رؤية موحّدة وشاملة وممثلة للجميع لسوريا بعد الأسد أمراً واضحاً، وبالتأكيد قدمت المشاريع السابقة دوراً ما في بناء هذه الرؤية كما أن بعض الأحزاب السياسية والمجالس المحلية والقوى الثورية قدمت رؤاها وأفكارها ومبادراتها الخاصة، ولكن لا بد من وجود خطط عملية يستطيع الشعب السوري من خلالها أن يدلي برأيه على النحو الأفضل في بناء سوريا الحرة دون تفضيل أي انتماء قبلي، أو عقائدي، أو طائفي، أو سياسي على حساب الآخر، وتضع تصوراً واقعياً يقنع كل السوريين بأن المرحلة الانتقالية ولو طالت فإنها ستقود في النهاية إلى ما يطمحون إليه في الحرية والكرامة والديمقراطية، ودلّت التحولات الداخلية التي عصفت بدول الربيع العربي ما بعد الثورات وخاصة مصر بوضوح على ضرورة وجود رؤية مشتركة بين كل التيارات السياسية حول خطة التحول الديمقراطي، إذ بدون ذلك يبقى الوطن مفتوحاً على الفوضى وعرضة للاختطاف من قبل قوى متطرفة أو مضادة للفكرة الديمقراطية.
من هذا الواقع وفي صيف عام 2012، انطلق المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بالعمل على وضع مشروع متكامل، يشمل رؤية لتطوير عمل المعارضة السورية في مواجهة نظام الأسد، ومن ثم تقديم مشروع متكامل لإدارة المرحلة الانتقالية التي تبدأ مع سقوط النظام، وصولاً إلى وضع أطر واضحة لبناء دولة حديثة تتسع لكل السوريين على اختلاف أطيافهم، ويتمتع بها المواطن بكافة حقوقه وحرياته ويشارك بالحياة السياسية دون قيود ظالمة. وقد سار المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية قدماً في هذا المشروع من خلال عدة خطوات قام بها، كإطلاق فكرة الحكومة المؤقتة من خلال مؤتمر إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا الذي نظمه في استنبول في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وتأسيس "بيت الخبرة السوري" خلال المؤتمر، والتأكيد على مركزية فكرة العدالة الانتقالية في المرحلة الانتقالية في سوريا من خلال المؤتمر الذي نظمه في كانون الثاني/ يناير 2013 وأعلن بعدها تأسيس اللجنة التحضيرية للعدالة الانتقالية في سوريا، وأخيراً إطلاق "بيت الخبرة السوري" لرؤيته الشاملة والمقترحة للمرحلة الانتقالية في سوريا ضمن هذا التقرير(خطة التحول الديمقراطي في سوريا).
مقال إسبوعي خاص بــ"زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية