يخيل للداخل إلى أحد أهم صفحات القرداحة أنه سيغرق في بحر من عبارات التمجيد وربما التأليه لـ"كبيرهم" الحاكم بأمر خامنئي في سوريا.. لكن المفاجئ وربما الصاعق أن تجد صفحة تصف القرداحة بـ"عرين الأسود" مليئة بصور القتلى، ومعها تعليقات ظاهرها الاعتزاز وباطنها الألم والحسرة البالغة.
نعم.. هنا وعلى غير المعتاد، تكاد الصفحة تتخم بصور قتلى منطقة القرداحة التي تعد خزان التجنيد مطلق الولاء للجيش والأمن والتأييد الطائفي المتعصب للنظام، حتى إن المنشورات التي تتكلم في موضوع غير "استشهاد" الضابط الفلاني أو المجند العلاني مشفوعة بصورة له، هي منشورات نادرة جدا.
قتيل وقتلى في صور
صور فردية وأخرى تضم أكثر من شخص، وثالثة تضم العشرات، ممن تسميهم الصفحة بـ"الشهداء"، وهم حصرا من القرداحة المدينة ومحيطها التابع من القرى والبلدات، وهؤلاء جلهم إن لم يكن كلهم كانوا يخدمون في أكثر الوحدات بطشا وإجراما، بدءا من الفرقة الرابعة وانتهاء بالحرس الجمهوري، كونهم من المقربين جغرافيا وطائفيا للنظام.
لكن اللافت أن سلسلة القتلى الكبيرة تتدرج من رتبة لواء نزولا إلى مجند، أي إن منطقة القرداحة بالفعل ضحت في سبيل عائلة الأسد بـ"زهرة أبنائها"، وأثبتت له بالدليل القاطع أنه "كله فدا صرماية أبو حافظ"!
فكل يوم وأحيانا كل ساعة، تضيف الصفحة نعوة مرفقة بصورة لأحد القتلى من العسكريين القرداحيين، حتى ليخال المرء أن في الأمر مبالغة، ولكن نظرة متعمقة، تظهر بالفعل أن الأمور موثقة في هذه الصفحة المؤيدة، ففي أحد المنشورات ينوه مشرف الصفحة أنه تم حذف خبر مقتل عقيد في خان العسل، ويعتذر من أهله على الخطأ، كما إنه وخلال إعداد "زمان الوصل" هذا التقرير تم نشر نبأ مقتل عقيد من رويسة البساتنة، لقي مصرعه في درعا، وسيشيع اليوم (الأربعاء).
ولكن هذا العقيد ليس استثناء، وإن كان هو "الأحدث"، فالصفحة مليئة بصور وأسماء العشرات من الضباط رفيعي الرتب، من أبناء منطقة القرداحة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: اللواء شرف فواز أصلان، اللواء ياسر معلا نوفل، العميد روند علي جوني، العميد الركن محمد علي (حرس جمهوري)، العميد المظلي تميم عارف تامر، العميد الركن أيمن شكوحي، العميد الركن علي خزام، العميد فواز أصلان، العقيد سامر أسعد، العقيد الركن ياسر جميل إسماعيل، العقيد رعد وديع جديد، العقيد ياسر نوفل، المقدم بشار توفيق حاتم، المقدم محسن سلمان جركس، الرائد إياس سليمان أحمد، الرائد مضر يوسف بركات، الرائد سامي الجلاد، الرائد فادي وجيه فاضل، الرائد سامي سليم حبيب، الرائد محمد جابر ديب، الرائد نبراس مبارك أحمد، الرائد شادي نظام مخلوف، الرائد الطيار راني مرشد، الرائد ماهر إسماعيل.
حرف المسيترة
وقد اكتفت "زمان الوصل" بأسماء الضباط المعروفين عسكريا بصفة الضباط القادة والأمراء، فضلا عن عشرات الضباط من الرتب الأدنى (نقيب، ملازم أول، ملازم).
أما المجندون ومغفلو الرتب فهم بعشرات العشرات، ويكفي للدلالة على كم القتلى أن الصفحة وخلال الأيام السبعة الأولى من شهر آب، وضعت قرابة 37 منشورا غير مكرر بأسماء عسكريين قتلى، منهم من قضى في الهجوم الأخير لكتائب الثوار والمجاهدين على ريف اللاذقية.
وفضلا عن الصور الجماعية فقد اهتمت الصفحة بنشر صورة جماعية، إحداها لمن وصفتهم بـ"شهداء حرف المسيترة" المجاورة للقرداحة، وقد أحصت "زمان الوصل" في هذه الصورة وحدها 46 عسكريا من رتب مختلفة، علما أن سكان البلدة يقاربون 7 آلاف نسمة فقط، لكنهم من المقربين جدا لنظام الأسد، ومعظم إن لم يكن كل شبابهم مجندون في مراكز حساسة جدا.
وفي صورة أخرى أكبر، نشرت الصفحة صورة تجمع 150 قتيلا من منطقة القرداحة.
وتقع القرداحة إلى الشرق من مدينة اللاذقية، على بعد حوالي 30 كيلومتر من مركز المدينة الساحلية.
ويرد البعض اسم "القرداحة" إلى اللغة الآرامية، قائلين أنه يعني "القرية الأولى"، وبعضهم يقول إن معناها "مكان صنع السلاح"، وإذا صح المعنى الأخير، فلا غرابة أن تكون بلدة الأسديين مخزنا هائلا للسلاح، الذي ارتفعت وتيرة تكديسه منذ انطلاقة الثورة السورية.
المُقَرْدِحُ
لكن الأغرب والأقرب ربما لاسم القرداحة، هو ما جاء في المعجم العربي الأشهر "لسان العرب"، حيث قال: قَرْدَحَ الرجلُ، أَقرَّ بما يُطلب إِليه أَو يطلب منه. والقَرْدَحَةُ الإِقرارُ على الضيم، والصبرُ على الذل. والمُقَرْدِحُ المتذلل المتصاغر.
وتتبع لمنطقة القرداحة أكثر من 35 قرية وبلدة ومزرعة، من أهمها: حرف المسيترة، الفاخورة، اسطامو، بصراما، بكراما، بشلاما، القبو، كلماخو، جوبة برغال، سلاغو.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية