أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

والده يروي الحكاية: أحمد الأتاسي... دعا قبل ساعات أن يبدّل الله همه فرجاً وكربه يسراً فاستشهد

زفّت الجبهة الإسلامية السورية كتيبة أتباع الرسول، أحمد زكوان الأتاسي الذي استشهد متأثرا بجراحة على إحدى جبهات حمص البارحة الاثنين، وقصة هذا الشاب المجاهد الذي ينتمي إلى أسرة معروفة في حمص، تستحق أن تكتب بمداد الذهب على صفحات الفداء والبطولة والتضحية.

حول قصة ابنه الشهيد أحمد مع الثورة يقول زكوان الأتاسي لـ "زمان الوصل": في بداية الثورة السورية كان أحمد طالباً فيما كان يسمى جامعة البعث بحمص وقد شارك في جميع المظاهرات التي قامت ضد النظام، بل كان هو من قاد معظمها وفي أحد الأيام اتصل بي أحد ضباط الأمن (المخابرات) وقد كان صديقاً لي وأخبرني بأن اسم ابني أحمد أصبح على قائمة المطلوبين وهم يبحثون عن عنوانه لإلقاء القبض عليه ونصحني بإخراجه من سوريا فورا وخلال ساعة وقبل أن يعمم اسمه على أجهزة الأمن على الحدود.

عندها سافرت أنا وأحمد إلى لبنان وهناك سجلته في جامعة الجنان كلية إدارة الأعمال في مدينة طرابلس واستأجرت له شقة فخمة قرب الجامعة وفتحت له حساب بالبنك أودعت فيه مبلغاً يغطي مصروفه لمدة سنة كاملة وكنت أزوره كل شهر تقريباً ودائماً أتفاجأ من العلاقات الشخصية المتشعبة التي كان ينسجها مع نخبة المجتمع من دكاترة جامعة وصحفيين ومثقفين وكان عنده سهرة في مقاهي البحر مع أصحابه لشرب النرجيلة (الشيشة) غالباً ويضيف والد الشهيد: مع بداية تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان شكّل مع أصدقائه عدة تنسيقيات وجمعيات لبنانية لتأمين السكن والغذاء، وكان يومياً يسافر إلى منطقة وادي خالد على الحدود اللبنانية السورية ليجلب اللاجئين الذين كان غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن إلى أماكن داخل لبنان حيث يؤمن لهم المأوى وكافة احتياجاتهم الأولية وكذلك كان يستقبل في شقته بعض الشباب من السوريين الذين كانوا يقيمون في لبنان أو الذين كانوا يأتون إلى لبنان من الدول الخليجية وغيرها ويريدون الانخراط بالثورة حيث يوصلهم بنفسه إلى الحدود السورية ويؤمن لهم الدخول عن طريق الحدود غير الشرعية بتنسيق مع بعض ناشطي الثورة في الداخل السوري.

ومع كل هذا نجح في الجامعة بتفوق وكُرّم من إدارة الجامعة في الشهر السادس من عام 2012.
ويستطرد زكوان الأتاسي: كنت أقيم أنا وعائلتي في دمشق عندما تلقيت اتصالاً من أحد أصدقاء أحمد في لبنان يعلمني فيه أن أحمد يعد العدة للدخول إلى سوريا والانخراط في صفوف الثوار بالداخل، فسافرت إلى لبنان أنا وعائلتي وقد حاولت أنا ووالدته ثنيه عن قراره بالدخول إلى سوريا عبر اقناعه بأنه يقوم حالياً بعمل هام يخدم به الثورة عبر عمله الإغاثي والإنساني، لكنه رفض وقال هذا العمل الإغاثي يمكن أن تقوم به النساء وكبار السن أما الشباب فيجب عليهم الانخراط بالعمل المسلّح، ونظر إلي قائلاً ألا ترى حجم المجازر والقتل والذبح الذي يقوم به النظام ضد الأهالي المدنيين بغية تهجيرهم وطردهم من الوطن، أترضى يا أبتي أن يقتل أهلنا وتنتهك أعراضنا ونحن نقف مكتوفي الأيدي، عاجزين عن أي فعل لنصرتهم، فأجبته أنت أيضاً بإمكانك أن تقوم بعمل هام وأنت هنا في لبنان، حاول أن تؤمن للثوار في الداخل بعض الذخائر والأسلحة عن طريق استثمار علاقاتك الجيدة هنا، فردّ عليّ أنا أقوم بذلك منذ أكثر من شهر، وأمام إصرارنا أنا وأمه أننا لا نؤيد قراره بالدخول إلى سوريا، خاصة أنه مطلوب من المخابرات السورية لكننا بنفس الوقت نؤيد عمله الحالي لخدمة الثورة على أن يستمر في دراسته الجامعية في لبنان تظاهر أمامنا بأنه اقتنع لكنه أردف قائلاً: سأستمر حالياً هنا ولا أستطيع أن أعدكم ألا أذهب إلى سوريا مستقبلاً إذا رأيت ضرورة لذلك، وحتى أشجعه بالاستمرار في لبنان قلت له تعال لنذهب إلى السوق لأشتري لك سيارة حديثة فقال أعطني المبلغ وأنا سأشتريها بنفسي وعلى ذوقي فوافقت وعدنا إلى سوريا وبعد حوالي شهر علمت أنه دخل إلى سوريا مع بعض أصحابه مشياً على الأقدام عبر طرق جبلية وعرة متحاشين بعض الأماكن على الطريق التي يسيطر عليها النظام وكانوا يسيرون ليلاً وينامون نهاراً متوارين في البراري حتى وصلوا إلى مدينة حمص بعد أسبوع، فأقاموا في أحد البيوت بالمناطق التي يسيطر عليها النظام متخفين عن أجهزته لمدة ثلاثة أيام قابلوا خلالها بعض الناشطين في الثورة، وتدارسوا معهم حول كيفية انتقالهم إلى الأحياء التي يسيطر عليها الثوار حيث جميع هذه الأحياء محاصرة من قبل جيش النظام من كافة جهاتها.

ويضيف والد الشهيد قائلاً: بعد وصول أحمد وأصحابه إلى حمص وتدارسوا مع بعض الناشطين عن كيفية الوصول إلى الأحياء القديمة المحاصرة من قبل النظام فلم يجدوا سوى طريق واحد لكنه صعب جداً وهو الدخول عبر قساطل المجارير (الصرف الصحي). وفي الساعة السادسة من صباح اليوم التالي نزلوا إلى المجارير تحت سطح الأرض وبدأوا رحلتهم الرهيبة زحفاً على بطونهم وسط المياه الآسنة والروائح الكريهة وكان عددهم خمسة شبان تتراوح أعمارهم بين 20-23 عاماً علماً بأن هذه المياه الوسخة تطلق غازات سامة، ما أدى لفقدان عدد منهم الوعي فسحبهم رفاقهم إلى أقرب ريكار (فتحة هوائية) ليستعيدوا وعيهم ثم تابعوا المسير حتى وصلوا إلى هدفهم في الأحياء المحاصرة في الساعة الحادية عشرة ليلاً أي أنهم قضوا سبعة عشرة ساعة ضمن المجارير وسط ترحيب كبير من الثوار بكلمة (الله أكبر) كان هذا في نهاية الشهر الثامن من العام الماضي.

في اليوم التالي تدارسوا مع الثوار الأعمال التي سيقومون بها فاختار أحمد وأحد رفاقه العمل بورشة لتصنيع المتفجرات وباشرا العمل فوراً علماً بأن أحمد لم يكن لديه أدنى خبرة في هذا العمل لكن كانت هوايته تصنيع الآلات الصناعية.

كانت مهمة ورشة المتفجرات هي البحث عن الصواريخ وقنابل الهاون التي لم تنفجر والتي يطلقها جيش النظام ليمطر بها هذه الأحياء ليل نهار وكانوا يأتون بها إلى ورشتهم فيقومون بفصل الصاعق ثم يخرجون منها الحشوات المتفجرة ليقوموا بإعدادها وطبخها وحشوها مجدداً ضمن قنابل هاون صغيرة يصنعونها بأنفسهم ثم يعودون ليطلقوها على جيش النظام من قواذف يصنعونها بأنفسهم أيضاً، وبعد عدة أشهر اكتسب أحمد ورفاقه بالورشة خبرات جيدة فقاموا بتطوير عملهم بشكل كبير وصنعوا صواريخ صغيرة قصيرة المدى شبيهة بالكاتيوشا، إضافة إلى الألغام والعبوات الناسفة التي تفجر عن بعد، وكان أحمد يقوم بصنع هذه الصواريخ ثم يقوم بإطلاقها بنفسه أيضاً على الجبهات فكانت كل جبهة من الجبهات التي تتعرض لاقتحامات ينادون على أحمد ليقوم بإطلاق هذه الصواريخ على المقتحمين عبر منصة صنعها بنفسه فكان يوقع إصابات كثيرة في صفوف المهاجمين من الأعداء فكان أحياناً يتنقل في اليوم الواحد بين عدة جبهات. 

وفي الأيام التي لا يكون فيها اقتحامات يقوم بتدعيم الجبهات عبر زرع ألغام يتم التحكم بتفجيرها عن بعد والتي صنعها بورشته وكان لهذه الألغام أثر كبير جداً في إيقاع أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المهاجمين، ما يؤدي إلى انسحابهم في معظم الحالات. كان أحمد ورفاقه يعملون في معظم الأيام ما لا يقل عن 18 ساعة يومياً وذلك لقلة أعداد الثوار في هذه الأحياء المحاصرة والمساحة الكبيرة لهذه الجبهات ونظراً للعد الكبير من جنود النظام حيث يفوق عددهم عن عشرة أضعاف عدد الثوار على الأقل، وما زال هؤلاء الأبطال صامدين منذ عام وشهرين ولم يستطع هذا الجيش الكبير والمدعم من آلاف الشبيحة ومن المئات من عناصر حزب الله المدربين اقتحام أي جبهة من أحياء حمص القديمة وعدد هذه الأحياء 14 حياً تمثل 60% من المساحة الإجمالية لمدينة حمص. علماً بأن للشهيد أحمد الأتاسي أخا أكبر منه بعامين معتقل منذ أكثر من 8 أشهر. 

كما أن لأحمد أخا أصغر منه بثلاث سنوات أيضا اسمه أمجد كان يدرس في الجامعة العربية بالقاهرة لكنه سافر إلى سوريا منذ سبعة أشهر والتحق في صفوف الثوار. 

رسالة الشهيد
قبل أن يستشهد بـ23 ساعة كتب الشهيد أحمد زكوان الأتاسي رسالة إلى من أسماهم مجاهدي الحصار (الذين يقبّل أيديهم وجباههم) يقول فيها: "تأملت في الكرب الكبير الذي نعيشه في حمص المحاصرة مع تقدم كلاب الأسد في حي الخالدية الأبية، ثم قلت في نفسي ألم يقل الله تعالى: [ولنبلونكم بشيء من الخوف ....] أي بعض الخوف.. لكن الخوف قبل وقوعه يطيل أمده، وربما يؤثر على فعل الشخص وجهاده، لا تخف أخي المجاهد ولا تحزن فالأمر محض ابتلاء من الله، فمن صبر فقد نجح في اختباره، ومن بقي يتأمل صفحات "الفيسبوك" ليرى خبراً من هنا ويبكي على حي ذهب من هناك بدون عمل يعذره أمام الله، فهو الخاسر في الاختبار.
ويوصي الشهيد رفاقه المجاهدين المحاصرين قائلاً: وطّنوا قلوبكم على (حسبنا الله ونعم الوكيل)، (أليس الله بكاف عبده)، (إن الأرض لله يورثها من يشاء)، (وربك يخلق ما يشاء ويختار).. قولوا: قدر الله وماشاء فعل، الله ربنا لا نشرك به شيئاً، معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه، فقاتلوا في سبيل الله لا تكلفوا إلا أنفسكم وحرضوا المؤمنين. 

ويردف قائلاً : القلب هو موضع نظر الرب ومابين طرفة عين وانتباهتها يغيّر الله من حال إلى حال، اللهم أبدل همنا فرجاً، وكربنا يسراً، أنت وليّ ذلك والقادر عليه."

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(158)    هل أعجبتك المقالة (145)

محمد الزهراوي

2013-08-06

رحمة الله عليك أحمد و الرحمة لشهداء سوريا.


ابن دمشق

2013-08-06

الله يهنيك يا شهيد يا ابن الاتاسي يا ابن حمص ومين ما بيعرف أل الاتاسي الحمصين يروحو الشباب يتعلمو منك حمص عهيك رجال راجعة تتحرر ياذن الله.


مراقب

2013-08-06

يا شهيد لا تهتم ... باذن الله دم بدم ... و يا شهيد نام و ارتاح .... و الله لنكمل كفاح.


ملهم

2013-08-15

بمثل أحمد الأتاسي وبمثل رفاق دربه من قضى نحبه أو من يتنظر ستتحرر سوريا من رجس هذه العصابة المسعورة المجرمة صبرا شعب سوريا صبرا أهل شهداء سوريا زمن الكذب والإجرام وحكم اللئام سوف ينطوي إلى الأبد من بلدي سوريا لم نكن أبدا نحلم بنهاية حقبة القتل والإجرام الأسدية طال زمن حكم هؤلاء القتلة المجرمين نهض الشعب السوري كله مطالبا بحريته وكرامته من عصابة إمتهنت كل شيء من السرقة والنهب والقتل والتعذيب إنها عصابة اللصوص والإجرام المافوية الحقيرة الدنيئة لقد حطم الشعب السوري جدار الخوف ... حطمه الصغار قبل الكبار الفجر قد لاح والنصر قد لاح والفرج قريب إن شاء الله يا أحمد نم وأنت مرتاح فلن يذهب دمك هباء نعاهد الله أن نبقى ونمشي على دربك التي سرت فيه حتى نحرر وطننا سوريا من قبضة هذه العصابة المستئسدة المجرمة الحقيرة رحمك الله بواسع رحمته وإلى جنان الخلد بإذن الله.


التعليقات (4)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي