أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"فوق القمر" ... فهد بهجت الحوش

 

-اليوم عيد أمي..!

قال لها قبل أن يفتحَ عينيه.. وأسرعَ إلى أبيهِ يسأله أن يذهبَ معه ليشتري هدية ً لأمّه دون علمها. وافقه أبوه مسروراً ووعده بالذهابِ معه حين يعود من العمل. ولمّا غادرَ أبوه المنزل قالت أمه مبتسمة: ماذا كنتَ تقول لأبيك؟ ضحكَ سعيد خجلاً وقال: لا شيء.

ضمّته أمُّه قائلة ً: يا حبيبي الغالي.. أنا لا أريد منكَ شيئاً.. أريدكَ أنتَ فأجابها: وأنا أريدكِ يا أمي!

نظرت إليه.. رأت حدائقَ من الورود تتراقص في عينيه والشمسَ تشرق فوق جبينه.. تذكرت كلامَ الطبيب الذي حسمَ أمرَ مرضه حين قال لها:

-سيبقى ابنكِ طفلاً مهما كبر سنُّه، وسيكونُ إدراكه ضعيفاً طوال عمره. لا تستطيع أن تصدِّق أنَّ ابنها سيبقى معاقاً إلى الأبد.. يقاطع أفكارها قائلاً: أمي.. ماذا تحبّين أن أهديك اليوم؟.

-أنتَ هديتي الوحيدة يا بنيّ!

-أرجوكِ، قولي لي. ماذا تريدين؟

-مادمتَ مصرّاً، فأنا أقبلُ بكلِّ ما تقدّمه لي يا حبيبي.

يذهبُ إلى حصّالته ليتفقـَّدَ نقوده وهو يرنّم الأغنية التي علَّمه إياها والده لينشدها لأمه في عيدِها.. تسمعه أمّه.. تحسّ بالغبطة، وبأنها تعانق الحياة في كلِّ كلمة ينطقها من شفتيه.

يخرج إلى الشارع حاملاً نقودَه بيدٍ وباليدِ الأخرى يؤشّر للسيارات بأن تتوقف ليعبرَ الطريق.. هكذا تعوَّدَ أن يفعل منذ صغره، وهكذا تعوَّد عليه المارّة وهم يبتسمون له لشدّة تهذيبه الواضح حين يعبر الطريق.

يقولُ في نفسه: سأشتري لأمي شالاً جميلاً يقيها من البرد في الشتاء. بل سأشتري لها ثوباً أبيضَ كالثلج ووردة حمراء.. وسأغنّي لها حتى الليل.. سأغنّي لأمي كثيراً هذا اليوم! سأرقصُ لها كثيراً، وسأضمّها كثيراً! ينظر إلى السماء ويقول: أنا أحبُّكِ يا أمي.. أحبك جداً.

يرى من بعيد بائعَ ورود، يتّجه إليه، يشتري وردتين، ويحلم كيف سيقدّم الوردتين لأبويه:

-سأعطي وردة ً لأبي ووردة ً لأمي.. سيفرحان.. سيقبّلني أبي.. سيحملني عالياً لأصبحَ كبيراً وأمسك السماء بيدي، وسأدعو أمّي لتصعدَ معي.. سنعيشُ طويلاً فوق القمر..

وبينما هو يسعد بحلمه الجميل تمرُّ بقربه سيارة مسرعة، فتصدمه وترميه أرضاً.. اجتمع حوله الناس ليسعفوه، لكنّه لم يرَ في غيبوبته سوى أبويه يبتسمان له.

قال لأمه: هل أعجبكِ الثوب الأبيض؟ تهزُّ برأسها إيجاباً فيقولُ لها: هذه الوردة لك. ثم يلتفت إلى أبيه قائلاً: هذه الوردة لكَ يا أبي.

يبتسم أبوهُ ثمَّ يقول: نحن ننتظركَ.. هلمَّ لنذهب معاً إلى بيتنا الجميل فوق القمر..

يغمضُ عينيه، ويطير بأبويه باتجاه السماء. فوق القمر.

(101)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي