أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هل يعيش الفانك على المريخ؟.. حسن بلال التل

لست أدري كم من الأردنيين ما زال يقرأ مقال د.فهد الفانك رئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية "الرأي", وكم من هؤلاء ما زال يعتبره كاتباً من المفترض به أن يكون صوتاً للمواطن, لا بوقاً للحكومة ووسيلة من وسائل "جس النبض" الحكومي تجاه قراراتها القاتلة القادمة, أو نذيراً من نذرها بخراب جديد يقع على رأس الفقراء أولاً وأخيراً, حتى أصبح كل ما يكتبه الفانك هو قرار حكومي " في مرحلة الطبخ"....
ومن آخر ما أطل علينا به الفانك مقاله ليوم الاربعاء الماضي الذي حمل عنوان "هل تنسحب الحكومة من ورطة الدعم؟", وهنا أشير لعزيزي القارئ أن يضع هذا العنوان بين قوسين ويحفظه جيداً لأني أكاد أكون متأكداً أن هذا العنوان وما جاء بعده سيتردد كثيراً في الاردن خلال الأيام القادمة....
في هذا المقال يدعو الفانك الحكومة الأردنية- وربما طلبت إليه الحكومة أن يدعوها..لست أدري؟- صراحة إلى رفع الدعم حتى عن السلع القليلة جداً والأساسية- كما هي فعلاً وكما سمتها الحكومة- التي ما زالت مدعومة, بحيث تم تحرير أسعار هذه السلع تحريراً نهائياً حتى يصبح ثمن كيلو الخبز ديناراً أو أكثر, ويصبح الحليب والسكر حلماً صعب المنال, وحجة الفانك أن هذه السلع قد ارتفعت دولياً, وبالتالي أصبح واجباً على الحكومة أن تحررها كي لا تخسر- لاحظوا أنه يخشى على الحكومة من الخسارة المادية, أما خسارة المواطن مادياً ومعنوياً وتحول الكثير من المواطنين إلى لصوص ومنحرفين, فهذا الأمر لا يعني الدكتور والاقتصادي المعروف فهد الفانك بشيء, وانهيار وظيفة الحكومة الاجتماعية سقطت من حساباته-....
وفي معرض تبريره وتشجيعه لهذه الدعوة يقول الفانك أن الحكومة تمكنت من الخروج من ورطة دعم المحروقات بأقل الخسائر -عليها طبعاً وليس على المواطن- فالمواطنون في هذا الشتاء (والذي أظنه أسوء شتاء مر على الأردنيين في تاريخهم المعاصر), تعلموا أن يقللوا من التدفئة ويحدوا من حركة سياراتهم, أو بلغة أخرى اعتادوا على البرد واعتادوا أن يشلوا حركتهم ويحبسوا أبناءهم بين أربع جدران حتى في أيام العطل, ويقول أيضاً أن رفع الدعم عن هذه السلع لن يؤثر بشكل كبير على المواطنين لأن "الشعب الشاطر" (يتعلم تماماً كما يتعلم الحيوان الأليف المطيع أن يغير سلوكه وفقاً لما يوجهه صاحبه), وبالتالي يمكن للشعب أن يتعلم أن يستعيض عن هذه السلع "الأساسية" بغيرها, بالله عليك د.فهد بماذا نستعيض عن الحليب؟ وبماذا نستعيض عن الخبز؟ أم أنك من أنصار فليأكلوا البسكويت؟.. وأنت قابع في برجك العاجي, ووراء مرتبك الذي يجاوز مرتب رئيس الحكومة؟
ثم يعود الفانك ليؤكد أن الأراضي الأردنية والتي وفق اعترافه تحولت كلها أو جلها إلى بنايات أو نُمر معروضة للبيع, ما زالت تصلح لزراعة القمح والشعير, وهنا يناقض الفانك نفسه وحكومته؛ فبعد أن اعترف أن الأراضي الصالحة للزراعة قد تحولت إلى بنايات ومشاريع بنايات يطالب بزراعتها, ولست أدري كيف سيحصل هذا؟, إلا إذا هدمنا هذه المباني, أو حولنا أسطحها إلى حقول, ويناقض حكومته والحكومات الأردنية المتعاقبة التي عملت منذ عقود على تدمير الزراعة وتفريغ القدرات الزراعية, وحولت المواطنين إلى طوابير من العمالة تنتظر الجلوس وراء مكتب, رغم أن كلا منهم باع للتجار والمستثمرين أراضي كان من الممكن أن يعيش من دخلها خيراً من ألف موظف, ويعود مرة أخرى ليناقض نفسه في نفس الفقرة عندما يربط تحسين الواقع الزراعي بتوافر الري, وهو بالتأكيد يعلم كما يعلم أي طفل في المرحلة الابتدائية أننا لا نملك حتى ماء الشرب, وأن معظم مياه السدود لا تصلح حتى أن تصنف كمياه عادمة, ونسب الزئبق والرصاص في سد الملك طلال مثلاً معروفة ومنشورة....
وأخيراً يختتم الفانك جهبذيته بامتداح الحكومة مرة عاشرة على تخلصها من مطب دعم المحروقات, ويؤكد دعوته لاتخاذ طريقة ذكية جديدة للتخلص من مطب دعم السلع الأساسية, قد تتمثل في صرف معونات للمستحقين, وكأنه يريد لكل الشعب أن يقف "كالشحاذين" في طوابير أمام البنوك ومكاتب البريد ليستلم شيكاً قد لا يكفيه ثمن رغيف خبز, وهنا يختتم الفانك بعبارة ألمعية أظن أنه أمضى ساعات في طبخها وهي: "بحيث تكون الاختلالات في حدها الأدنى, والقدرة على التكيف مع متغيرات الأسعار في حدها الأقصى", وبمعنى آخر فلتختل كل أركان المجتمع, طالما تبقى أركان الحكومة ورجالاتها وكراسيها راسخة.....
د.فهد الفانك, لك كل الحب والاحترام والتقدير, لكن نرجوك: ابق وراء زجاج سيارتك الملون التي تسير ببنزين لا تدفع أنت ثمنه وأصبح بأعجوبة أرخص من الكاز والديزل , وابق وراء جدران برجك العاجي و"هيلمانك" الاقتصادي, وتلذذ بكل أنواع الكافيار, وأسماك السلمون المدخن, والمأكولات والمشروبات التي أشك أن معظمنا سمع بها, واترك لنا أنت والحكومة خبزنا غير المحسن, وحليب أطفالنا المدعوم بالحد ما دون الأدنى, لأنهما الشعرة الوحيدة التي تفصلنا عن الكفر.....

[email protected]

(113)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي