تمكن ثوار الغوطة الشرقية أن يخرجوا من قلب الحصار الحديدي ويخرجوا معهم آلافا مؤلفة من المحاصرين الجائعين إلى فضاء رحب، بعدما صارت كسرة الخبز لهؤلاء حلما.
خاض الثوار والمقاتلون -بغض النظر عن انتماءاتهم وأسماء كتائبهم-، معركة نوعية بطولية حرروا خلالها المطاحن في الغوطة الشرقية (حتيتة التركمان)، مكبدين قوات بشار والمليشيات المتعاونة معها خسائر في الأرواح والعتاد.
أما المكسب الأهم للمعركة فكان فتح نافذة أمل كبيرة في توفير مادة الطحين لمحاصرين غابت صورة الطحين عن أذهانهم، لطول غياب الطحين عنهم!
لكن للقصة بقية "كدرت" فرحة النصر المضاعف –عسكريا وتموينيا-، فما إن سمع المحاصرون الجياع بتحرير المطاحن حتى تدافعوا لنيل حصتهم من هذه المادة التي تكاد تأتي بعد الماء في أهميتها، وهنا جاء دور النظام ليخلط الدم بالطحين، مرتكبا مجزرة فظيعة، باستهداف منطقة المطاحن بقذائف وصواريخ، حسب روايات نشطاء.
وإن كانت الروايات تضاربت حول عدد الشهداء والجرحى الذين قتلهم النظام في مجزرة المطاحن (حوالي 7 شهداء و80 جريحا جراح بعضهم خطيرة)، فإن الذي لا خلاف عليه أن السماح بتدفق الناس بعشوائية نحو المطاحن لم يكن أمرا حكيما، رغم إقرار الجميع بأحقية الجائع المحاصر المقهور بأن لا يمنعه أحد من الوصول إلى قوت انتظره طويلا.
ويكفي "زمان الوصل" هنا أن تشير إلى منشور تداولته أكثر صفحات الثورة السورية، يروي حقيقة المأساة التي حصلت في المطاحن، والتي يعد النظام الوحشي أول المسؤولين عنها، مستغلا بكل ما أوتي من بشاعة "عفوية" الناس واندفاعهم، وعدم وجود من ينظمهم أو يمنعهم من الوصول إلى المطاحن، التي حررت لكنها بقيت في مرمى نيران النظام القاتل.
يقول المنشور إن المواقف التي تواردت من النقطة الطبية عن الناس القادمين من المطاحن، قد لا يستطيع كثير فهمها إلا من كان من سكان الغوطة الشرقية، وعاش الحصار فيها.
ويتابع صاحب المنشور الذي سمى نفسه "الفاروق": بعد السيطرة على المطاحن تهافت المدنيون من كل صوب وحدب إلى المطاحن لتأمين كفايتهم من الطحين، تهافتوا إلى المطاحن تحت مرمى سلاح العصابة الأسدية في أشد فتكه وعنفه، فقد أعمل سلاحه الجوي والمدفعي والصاروخي.. جميع أسلحته الثقيلة سلطها على مدنيين ذنبهم أنهم سعوا لتأمين لقمة عيشهم.
ويواصل: هنا كانت امرأة تجر الحمار وعلى ظهره أكياس الطحين، وهناك رجل آخر يحمل كيس الطحين على كتفه ماشيا، والقذائف تنهال من حوله، ولكنه غير آبه بها، فكل همه هو تأمين الخبز لأطفاله.
وهنا سيارة قد اختلطت فيها الدماء بالطحين، بعد أن سقطت عليها صواريخ الراجمات، وهنا.. وهنا.. وهناك، مواقف كثيرة تؤثر بكل شخص له قلب أو أعمل عقله.
ويختم: أروي الموقف الأخير والذي كنت أراه بأم العين، وأثر بي حقا، حيث كانت تصل السيارات المحملة بالجرحى ونرى اختلاط الدم بالطحين، وقد كانت السيارات المحملة بالطحين هي من تسعف الجرحى.
ويقول نشطاء إن "المطاحن" المحررة تعد ذات أهمية استراتيجية لعدة أسباب، منها أنها أماكن تمركز لقناصي النظام، حيث تضم أبنية عالية تمكن القناص من كشف مساحات كبيرة من البلدات المجاورة مثل الغسولة والغزلانية والمنصورة.
كما إن النظام يستخدم قسما من المطاحن كمستودعات للذخيرة، لتزويد قواته على جبهات منطقة المرج.
وفضلا عن ذلك يوجد في المطاحن كميات كبيرة جدا من الطحين والحبوب، التي تقع على على مرمى أنظار الغوطة المحاصرين الجياع!
كما تتوضع المطاحن في موقع حيوي على طريق مطار دمشق الدولي، وتؤهل السيطرة عليها لقطع خط الإمداد عن قوات النظام التي تحاصر منطقة المرج، كما يؤهل تمركز الثوار في المطاحن، لنقل معركتهم من الدفاع إلى الهجوم.
ويفيد نشطاء أن الثوار قاموا من قبل بالهجوم على المطاحن، وفوجئوا بوجود كميات هائلة جدا وغير متوقعة من الأسلحة والذخيرة، في حين كان النظام يخضع المطاحن لحراسة أقل من عادية، في محاولة للتمويه وعدم لفت الأنظار إليها.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية