أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معاناة السوريين والفلسطينيين في مصر ، مخاوف وتساؤلات .. أيمن فهمي أبو هاشم


ثمة من سعى جاهداً تحميل الفلسطينيين والسوريين، نصيباً من المسؤولية السياسية والأخلاقية،عن الأزمة الداخلية التي تعصف بالواقع المصري، وتكاد الشواهد الماثلة على التحريض الإعلامي والسياسي، الذي طال كلا الطرفين من زوايا مختلفة، أن يؤكد هذا الاستنتاج الأولي أكثر مما يخفف منه أو ينفيه.
كان لافتاً إلى حدٍ كبير، تزامن عمليات التعبئة التجييش ضد الفلسطينيين والسوريين، مع الخطوات الدراماتيكية التي مهدت وأفضت إلى إزاحة الرئيس مرسي عن الحكم، وما تلاها من تصاعد وتائر الصراع الداخلي وتعمق الانقسام الحاد في الشارع المصري. ومن تابع الخطاب الإعلامي طيلة الأيام التي سبقت أحداث الثلاثين من يونيو، لابد أن يلحظ القصف التمهيدي الذي تولته فضائيات وصحف مصرية معارضة، تارةً من خلال تعليق أزمة الوقود في مصرعلى عمليات تهريبه إلى قطاع غزة، وتارةً أخرى اتهام فلسطينيين بحيازة السلاح وإثارة أعمال العنف والشغب في مصر( اختلاق ما عُرف بخلية المقطم مثالاً )
مع تفجر الأزمة السياسية في أوائل يوليو، التي أعقبت سيطرة الجيش على السلطة، ارتفعت عقيرة أصوات ومنابر تتهم مجموعات فلسطينية، الاعتداء على المظاهرات المناوئة للإخوان، وإطلاق النار على المتظاهرين، ودون تقديم أدلة أو قرائن جنائية تثبت التهم المثارة على عواهنها، وتزامن ذلك مع إغلاق معبر رفح تحت دواعي الحفاظ على "الأمن القومي المصري ".
أخذ هذا المنحى التحريضي، في تعميم شبهة التدخل والتورط على الكل الفلسطيني المقيم في مصر، وسرعان ما طال اللاجئين السوريين وتَعرضَ لهم من نفس القناة، وتولت جوقة إعلامية وسياسية، توليف خطاب عنصري يعزف على أوتار التشكيك بالضيوف غير المرحب بهم، وحسبانهم جميعاً فلسطينيين وسوريين - على اختلاف ظروف لجوءهم وتواجدهم في مصر- كتلة سياسية مريبة، تقوم بإثارة الفوضى و تهديد الاستقرار الأمني والاجتماعي في البلد.
تحت سطوة هذا المناخ التعبوي المفتعل، تدحرجت مشاعر التذمر والاستياء، وغطت بصورة متزايدة عل صور التعاطف مع محنة السوريين، فيما أيقظت بدورها هواجس قديمة جديدة تجاه الفلسطينيين. في حين لم تكن خافية المحاولات المحمومة لتأليب الرأي العام المصري، وتحريضه بلغة منفلتة من ضوابطها المهنية والأخلاقية، كتلك الدعوات الفاشية التي تحضُ علانيةً على قتل السوريين والفلسطينيين، فقط على شبهة تواجدهم في المكان الخطأ (مناطق التوتر) والتي ساهمت بعض القنوات الخاصة مثل الفراعين و ONTV في بثها دون ادني حرج .
مهدت بقدر ما سوغت تلك المتوالية الدعائية المبثوثة، رزمة التدابير والإجراءات المفاجئة والمجحفة التي اتخذتها السلطات المصرية، من تقييد دخول اللاجئين السوريين باشتراط حصولهم على موافقات أمنية مسبقة، وإلغاء استثناء التأشيرات المطلوبة لأعمار محددة من الفلسطينيين حملة الوثيقة السورية، إلى اعتقال نشطاء و معارضين سوريين ( حسام الدين ملص ، مهند الحريري ، معتز شقلب ) ثم إطلاق سراح اثنين منهم وترحيل الثالث.
تصاعدت وتيرة الإجراءات الضاغطة، مع توقيف القوى الأمنية عشرات السوريين والفلسطينيين، بطريقة عشوائية - بما فيهم صبية ونساء- تحت دواعي وحجج مختلفة، وتهديد بعضهم بالترحيل، رغم شمولهم بحماية المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وهو ما يشكل انتهاكاً من جانب السلطات المصرية لاتفاقية اللاجئين وقانون حقوق الإنسان، وفق ما جاء في تقرير منظمة Human Rights Wach الصادر في 25 يوليو حول حجم ونوعية تلك الانتهاكات الموثقة.
أثارت المعاملة التمييزية تلك ، مخاوف وتساؤلات مشتركة لدى كلا الفلسطينيين والسوريين على حدٍ سواء، تمحورت حول مغزى توقيت الحملة العنصرية التي يتعرضون لها..!!؟؟ وأهداف الجهة أو الجهات التي تقف ورائها..؟؟
لعل قدر من الإجابة عن تلك التساؤلات المشروعة، يكمن في توظيف الاستضعاف المكشوف لظروف اللاجئين، وأغلبهم ممن قدمَ الى مصر لأسباب اضطرارية معروفة، من أجل تحميلهم قدر من المسؤولية عن تبعات الصراع الداخلي فيها، وحرف الأنظار عن مسبباته الحقيقية، و تفريغ احتقان الشارع المصري (بكتلة الغرباء) بعد شيطنتها سياسياً وإعلامياً وشعبوياً . وسبق للإخوان عندما كانوا في السلطة أن حاولوا توظيف القضية السورية، بطريقة أثارت هواجس القوى السياسية
التي تعارضهم ، لاسيما إبان دعوة الرئيس مرسي قبل أسابيع من عزله إلى فتح باب الجهاد في سوريا.
وكان من الأسباب التي ساهمت بدورها، في سرعة انتشار موجة الاستعداء الموجهة إلى اللاجئين، قيام فضائيات وصحف وشخصيات محسوبة تاريخياً على نظام مبارك وماكينته السلطوية السابقة، في تغذية تلك الموجة وحقن سمومها الكريهة، ولا غلوَّ أن ربط الانتهاكات التي تعرض لها اللاجئون، على يد القوى الأمنية التي كانت تشكل الذراع الضاربة لنظام مبارك ، ما يقرب المسافة من تحديد الجهة المستفيدة من وراء ذلك، ورسائلها الملغومة في أكثر من اتجاه. وإذا كانت رسالة السلطة الجديدة في مصر تحمل في طياتها مغازلة النظام السوري، من خلال التضييق على حياة السوريين المقيمين في مصر عامةً، وإرهاب وتخويف النشطاء المعارضين منهم على وجه الخصوص. فإن رسالتها الأخرى الموجهة الى الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية، أفصحت بعد اتهام الرئيس المصري المعزول بالتخابر مع حركة حماس ،عن منقلبات سياستها الرامية إلى تجريم حركة حماس، توطئة الى تغيير الخارطة السياسية في قطاع غزة، بهدف كسب رضا وتأييد الحكومات الإسرائيلية والغربية على حكم العسكر، في نسخته السلطوية الجديدة.
وبمعنى أوضح، لم يشفع موقف الحياد، وعدم التدخل في الشأن الداخلي المصري، الذي طبع السلوك العام لجموع السوريين والفلسطينيين- عدا استثناءات محدودة – من تسييس الطابع الإنساني الغالب على وجودهم، وتصميم قوى عسكرية ومدنية التعامل معهم، من وحي نظرية المؤامرة التي يدَّعون مواجهتها لتحقيق ما يصبون إليه .
الأدعى للريبة والاستهجان، صمت المنظمات الحقوقية المصرية، وعديد الأحزاب والقوى الثورية التي ترفع لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان،على مسلسل التمييز والإنتهاكات الذي يتواصل ضد (الأخوة الأعداء) على مرأى العين والسمع، مما يُنذِر بعودة الاستبداد وثقافته المقيتة، فهل ثمة جواب آخر من ثوار وأحرار مصر يبدد هذا المشهد القاتم ..!!

[email protected]

(116)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي