أوباما وسوريا.. تاريخ من التردد وغياب الاستراتيجية يصيب بخيبة الأمل

أبدى مسؤول أميركي رفيع أسفه للفجوة بين دعوة الرئيس أوباما للإطاحة ببشار الأسد، وخطط الرئيس لوضع هذا الأمر موضع التنفيذ.

وأضاف المسؤول السابق: عندما يقول الرئيس شيئا فهو ليس رأيا استشاريا. لابد من عمل شيء لتحقيق ذلك... لم تكن هناك استراتيجية. هذا كل ما في الأمر.

ووفقا لوكالة "رويترز" فإنه عندما اشتد أوار الحرب الأهلية في سوريا ووجد المقاتلون المناهضون للنظام صعوبات في توحيد صفوفهم، استدعى البيت الأبيض في هدوء مجموعة خاصة من كبار مهندسي السياسات لتقديم النصح للرئيس أوباما في أوائل العام الماضي.

كان التكليف المناط بهم غير عادي، وهو أن يفكروا في طرق غير تقليدية لإبعاد بشار الأسد عن السلطة.

ترأس هذه المجموعة أحد كبار أعضاء مجلس الأمن القومي، وضمت عددا محدودا من خبراء وزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات. وأجمع الكل على ضرورة أن يزن أوباما الخيارات العسكرية لتنحية بشار.

إلا أن الفكرة لم تخرج إلى حيز التنفيذ بفعل تصميم أوباما على تحاشي التدخل العسكري الأميركي. وقال مسؤولون أميركيون سابقون إنه بحلول منتصف عام 2012 تم حل هذا الفريق، الذي كان وجوده معلوما لعدد محدود من المسؤولين في الحكومة.

ويبرز فشل هذه المجموعة في مهمتها، الخطوات المترددة والرسائل المتباينة التي كانت سمة أساسية لسياسة أوباما في سوريا.

فبعد هذا التردد الذي عاشته واشنطن على مدى عامين تقريبا واستعادة بشار لبعض توازنه، وافق البيت الأبيض في نهاية الأمر -خلال الشهر الماضي- على تزويد المقاتلين السوريين بأسلحة محدودة، علما أن أوباما بقي يقاوم هذه الخطوة طويلا.

وقد ثبت أن تنفيذ قرار التسليح أمر صعب، إذ انتقد أعضاء الكونغرس الأميركي القرار، ووصفوه بأنه أقل من اللازم وتأخر كثيرا، بل وشككوا في استراتيجية أوباما في سوريا.

ولم توافق لجنة بمجلس النواب على شحنات الأسلحة إلا الأسبوع الماضي، بعد تأخير استمر شهرا، طلب خلاله أعضاؤها إيضاحات من الحكومة.

وتتيح مقابلات أجريت مع أكثر من 10 مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، ودبلوماسيين أجانب.. تتيح تفاصيل جديدة عن عملية صنع القرار داخل إدارة أوباما، في ظل اقتناعه بإمكانية الإطاحة ببشار دون تدخل خارجي مباشر، ورفضه جر الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.

وعلى مدى شهور من المناقشات الداخلية، كثيرا ما كان أوباما يرفض النصيحة من مستشاريه الكبار، الذين اقترحوا اتخاذ خطوات ملموسة مع اشتداد وتيرة سقوط الضحايا في سوريا، وكان ذلك سببا في شعور بعض المستشارين بخيبة الأمل.

بينما يرفض مسؤولو الإدارة الأميركية الانتقادات القائلة بأن أوباما لو اتخذ خطوات أقوى قبل ذلك، لكان مآل الثوار أفضل في مجابهتهم لجيش النظام المدجج بالسلاح.

وقال مسؤول رفيع مشترطا عدم الكشف عن اسمه: "لم يكن من الممكن أن تنجح المعارضة في تقليص الفجوة نتيجة تلقيها دعما من مصادر خارجية، ما دام لدى النظام دبابات وطائرات حربية".

ويختلف بعض المسؤولين السابقين وكثير من المتخصصين في شؤون سوريا مع هذا الرأي، ويقولون إن القتال يهدد الآن مصالح أميركية أوسع في الشرق الاوسط.

وقد ظهرت نبرة أوباما في أوائل الصراع، ففي 18 أغسطس/آب عام 2011 وفي خطوة كان يفترض أن تضع خطا فاصلا دعا الرئيس الأميركي بشار الأسد للتخلي عن السلطة وذلك بالتنسيق مع زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا.

وقال أوباما: "من أجل الشعب السوري، حان الوقت لكي يتنحى الأسد جانبا".

وجاء هذا الإعلان الذي تردد البيت الأبيض شهورا في إصداره؛ ردا على ضغوط مكثفة من حلفاء الولايات المتحدة والرأي العام، بعد أن أرسل بشار قواته ودباباته إلى المدن والبلدات لسحق الاحتجاجات المدنية المتصاعدة.

لكن بيان أوباما هذا، سبقته مناقشات حامية في البيت الأبيض. وجادل بعض المستشارين الأصغر سنا، بأن حكم بشار يزداد ضعفا فيما يبدو يوما بعد يوم، وأن على الرئيس أوباما الوقوف في "الجانب الصحيح من التاريخ" ومطالبة بشار بالرحيل، ومن بين أصحاب هذا الرأي، "سامانتا باور" التي وقع عليها اختيار أوباما سفيرة في الأمم المتحدة، و"بن رودز" نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية.

لكن قدامى المستشارين المتخصصين في أمور الشرق الأوسط كانوا أكثر حذرا، وقالوا إن نُطق ما وصفه أحدهم بالكلمات السحرية عن بشار الأسد، سيرفع مستوى التوقعات بشأن دور نشط للولايات المتحدة.

وقال مصدر مطلع على سير تلك المناقشات إن "ستيفن سايمون" كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط تساءل: هل كان ينبغي أن يدلي أوباما بهذا التصريح، في حين أن واشنطن ليست على استعداد للقيام بخطوة ملموسة.

في ذلك الوقت لم يكن أوباما مستعدا لبذل شيء يذكر، أكثر من الجمع بين الدبلوماسية التي تهدف لتنحي بشار، والعقوبات الاقتصادية، إذ حظر شراء النفط السوري ومنع المواطنين الأميركيين من التعامل مع الحكومة السورية.

دينيس روس أحد كبار مستشاري البيت الأبيض حتى أواخر 2011، وكان ينادي بتشديد الموقف الأميركي قولا وفعلا، قال: "كان ثمة شبه إجماع في البداية على أنه (بشار) لا يستطيع البقاء طويلا. وكان ثمة افتراض أننا إذا أنجزنا العقوبات الاقتصادية، فسيكون ذلك كافيا".

وأبدى مسؤول رفيع سابق آخر أسفه للفجوة بين دعوة أوباما للإطاحة ببشار، وخططه لوضع هذا الأمر موضع التنفيذ.

وأضاف: "عندما يقول الرئيس شيئا كهذا فهو ليس رأيا استشاريا. لابد من عمل شيء لتحقيق ذلك.. لم تكن هناك استراتيجية. هذا كل ما في الأمر".

ومع اتساع رقعة الحرب في أوائل 2012، بدأ بعض كبار أعضاء الكونغرس مثل السناتور الجمهوري جون ماكين يطالبون أوباما بدعم الثوار، ولم يقتصر التأييد لهذه الخطوة على الكونغرس. ففي مراحل مختلفة كان أغلب وزراء أوباما المسؤولين عن السياسة الخارجية ينصحونه بتقديم دعم أكبر للمقاتلين، بما في ذلك وزيرا الخارجية هيلاري كلينتون وجون كيري، ورئيس المخابرات المركزية السابق ديفيد بتريوس، ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا.

وفي خطوة غير معتادة قدم بتريوس وكلينتون قبل عام اقتراحا مشتركا للبيت الأبيض، يقضي أن تسلح واشنطن جماعات المقاتلين بعد فحص دقيق لكل منها؛ بما يقلل من فرص وصول الأسلحة إلى أيدي الجماعات المتشددة.

وحظي الاقتراح بتأييد بانيتا والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة، وقال مسؤول أميركي إن مدير المخابرات القومية الأميركية جيمس كلابر كان مطلعا على الاقتراح ولم يعترض عليه.. لكن أوباما اعترض على هذه التوصية!

وأبرز هذا الرفض موقف أوباما، الذي وصفه "روس" بالموقف المتشكك إزاء التدخل العسكري، المصطبغ بما لاقته الولايات المتحدة من مصاعب في العراق وأفغانستان.

وأكد "روس" أن أوباما كان يقول: "إذا كنت ستقترح علي خطوات محددة، فقل لي إلى أين تؤدي".

وأضاف روس: "لا أعتقد أن بوسعك أن تنظر للأمر بمعزل عن العراق وأفغانستان، وبخاصة أن هذه الامور من السهل التورط فيها ومن الصعب الخروج منها".

وعندما قدمت كلينتون وبتريوس اقتراحهما في صيف 2012، كان البيت الأبيض يدرس في هدوء ما وصفه المسؤول الكبير السابق بخيارات أقوى.

وكانت المجموعة الخاصة التي شكلها ورأسها "سايمون" مستشار مجلس الأمن القومي تضم ما بين 6 و8 أعضاء، من بينهم فريدريك هوف الذي كان أكبر مستشاري وزارة الخارجية لشؤون سوريا، إلى جانب مسؤولين من وزارة الدفاع والمخابرات. ولم يعلن من قبل عن وجود هذا الفريق، كما إن البيت الأبيض تجاهل أي استفسار عنه (أي الفريق).

وحذر ممثلو وزارة الدفاع من تكلفة التدخل العسكري الأميركي ومخاطره وما يترتب عليه من نتائج. ومع ذلك قال المسؤولون إن قدرا من التوافق تحقق على أن يقوم أوباما بدراسة تدابير عسكرية، مثل فرض مناطق حظر أو توجيه ضربات جوية.

لكنه تم حل الفريق في يوليو/تموز 2012، بعد أن رفض أوباما اقتراح كلينتون وبتريوس.

وبحلول منتصف عام 2012 كان البيت الأبيض قد ازداد اقتناعا فيما يبدو بأن بشار في طريقه للخروج من الصورة. وقال المسؤول السابق إن البيت الأبيض طلب من وكالات حكومية أميركية التركيز على التخطيط لمرحلة "ما بعد الأسد" في سوريا.

وفي 25 يوليو/تموز حثت هيلاري كلينتون بشار الأسد على التفاوض، للخروج من سوريا.

لكن تقارير المخابرات الأميركية التي أظهرت أن قوات النظام تحرك مخزون الأسلحة الكيماوية أزعجت المسؤولين الأميركيين. وفي 20 أغسطس/آب أعلن أوباما أن نقل الأسلحة الكيماوية أو استخدامها "خط أحمر" سيؤدي تجاوزه إلى عواقب لم يحددها. ولم يكن لهذا التهديد أثر مرئي يذكر.

وقال مسؤولون سابقون وحاليون إن عاملين اجتمعا خلال فصل الربيع الأخير؛ ليحفزا أوباما على تقديم السلاح للمقاتلين.

فقد تزايدت الضغوط الشعبية على الرئيس للتحرك، مع تزايد الأدلة على أن بشار يتجاهل "الخط الأحمر" الذي رسمه له أوباما.

وفي هذا السياق، قال توني بلينكن نائب مستشار الأمن القومي في أحد الاجتماعات مع أوباما ومساعديه إن "القوى العظمى لا تلوح بتهديد أجوف"!

والأمر الآخر المحفز لأوباما هو أن قوات بشار كانت تسترد جزءا مما فقدته، بدعم من مليشيا حزب الله اللبناني الممول والمسلح إيرانيا.

ويوم السبت الثامن من يونيو/حزيران تلقت بيث جونز المسؤولة الأولى عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية مكالمة عاجلة من اللواء سليم إدريس رئيس هيئة أركان الجيش الحر.

أكد إدريس أن قوات النظام ومليشيا حزب الله استولوا على مدينة القصير، وأصبحوا يهددون مناطق أخرى.

وجادل كيري خلال اجتماعات البيت الأبيض بأن المقاتلين يحتاجون دعما أميركيا أكبر. وفي 12 يونيو/حزيران، وخلال اجتماع لفريق الأمن القومي الأساسي التابع للرئيس أوباما، قال كيري إن على الولايات المتحدة أن تفعل ما هو أكثر من تسليح الثوار، وأن تشن ضربات جوية، وفق ما نقل مسؤول مطلع على ما دار في الاجتماع.

وهنا اعترض الجنرال ديمبسي رئيس هيئة الأركان بشدة، قائلا إن هذه المهمة ستكون معقدة وباهظة التكلفة.

وفي اليوم التالي أعلن البيت الأبيض أن الرئيس قرر تقديم مساعدات عسكرية مباشرة للمجلس العسكري الذي يرأسه إدريس.

وقال أحد المسؤولين إن أوباما اتخذ القرار الأساسي بهذا التحول السياسي من تلقاء نفسه في الأيام الأولى من يونيو/حزيران.

وجاء الإعلان لا من أوباما نفسه بل من مساعده "رودز"، ورأى البعض في ذلك دليلا على استمرار تحفظ أوباما.

وقال مسؤولون إن من المستبعد أن يتم تسليم الأسلحة الخفيفة نسبيا والمحدودة قبل أغسطس/آب. وتشمل الشحنة أسلحة آلية ومدافع هاون (مورتر) وقاذفات صواريخ.

ويشكك كثير من المراقبين داخل الإدارة وخارجها، في أن تكون الشحنات الموعودة مؤهلة لتغيير التوازن لصالح الثوار.

رويترز
(94)    هل أعجبتك المقالة (93)

omar

2013-07-29

عبد أسود وضعته دوائر القرار لتحسين صورتها عالميا وبس.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي