لا دواء للكذب
كا لعادة تلتقي الشلة في عرزال أبو نبيل المعتكف بين جدرانه, يأتي سعيد الجظ والذي تجده دائما"مروق فهو ملك صناعة الحديث في الشلة الرواقية, ألا أن هنالك فرق كبير بين المروق والرايق كالفرق بين الضب والضبع فهو يحكي لنا قصص عن عمله لا تخطر على بال إبليس يأتي مقلدا" بلسانه دقة الباب معلنا" مجيئه وهذه الأفلامات المحروقة لاتصدر سوى عنه وما تكاد عجيزته تستقر على الطراحة حتى يرد عبارة ( كيفك ياأنسة سلونك ياأنسة )
ثم تتبعها سلسلة من الضحكات الصاخبة فتمتلأ عيناه بالدموع وينقلب على ظهره, تفيض نفوسنا بخليط مبهم من الغرابة والمسرة والضحك, فكلنا يضحك لفرط ضحكته مع إننا لا نعرف مصدرا" لجملته أو معنى, فنلوب باحثين عن طريقة يحكي لنا قصة عبارته الشهيرة والتي يرفض سردها دائما".
وفي إحدى جلساتنا المعتادة والتي نجلس فيها فنلعب الورق من باب قتل الوقت لا أكثر والتي لا يعيش الأصدقاء حدثا" في الحياة أكثر منها.
اشترطنا عليه إذا بقى معه الختيار فإننا سنطلب منه حاجة, وافق على شرطنا بعدما جعلناه يمسك شاربيه.
تغامزنا عليه ليبقى بيده الختيار وبدا على شفة حفرة حاول التملص فأ مسكناه من رقبته وأجمعنا على رفعه فلقة إن لم يحكي.
وبعد محاولات عديدة اشترط علينا أن نجيبه عن حزورته فقال:
- ليش ختيار الدينار بعين واحدة.
لم نجيبه فمل من صمتنا قائلا":لأنه عينه الثانية طيرتها له زوجته حينما طر نب لها قص الدينار فضربته أربعون كف غفلة.
ضحكنا لحزورته وأصررنا أن يحكي قصة عبارته, فهذه النكتة التي فلسفها طريقة للتهرب تريث ثم زفر زفرة طويلة
نظر بنا قائلا".
- يا جماعة أنتم تعرفون صادق الذي يلقبونه بالقشيط, يروي وقائع غريبة لا تصدق أحاديث لا تدرون من أين يأتي بها كلام غريب وشبه مستحيل لذلك فهو أحتل المركز الأول بالحديث ذات مرة ضرب واحد بالسوق وخلا رجله خشخاشه واذ طلع المحافظ سبق أبو النوف وطيطا وهؤلاء من جماعة القشط والخلط بالحديث ذات مرة ضرب واحد بالسوق وخلا رجله خشخاشه واذ طلع المحافظ .
أمه ماتت وأبوه يذكر التاريخ فضله في إرباك المستعمر بخصيتيه حتى أن أحد الجنود الفرنسيون عندما خرجوا زفروا زفرة حرب الخوف وقالوا: الحمد لله ارتحنا من أبو صادق
هذا صادق تربى عندي على الصدق والوفاء وعندما شب على الدنيا وجد أن الناس تكذب عليه حتى ما عاد يصدق أحد حتى أنا وآخر مرة رأيته فيها قال لي: أن راعية قرود في بادية كاليفورنيا تراسله بأسم الصداقة وسيذهب ليعمل هناك في ترقيص القرود ثم إن صادق صار لديه نظرية ثابتة في الكذب ملخصها إذا كذب عليك أحد فلا تهز له رأسك بل أكذب عليه بجسارة ودوخه ذات مرة شاهد عرفات يستمع منصتا" إلى شارون ويهز رأسه فجن جنونه قائلا": لوكنت مكانك لكن أصارحكم يا جماعة بأن صادق مصاب بهذا الداء لم تنفع معه عشبة ولا دواء وينطبق عليه المثل القائل : فالج لا تعالج بالرغم من أن الطب تمكن من علاج حالات لا تحصى من الفالج تنفسنا الصعداء وطلبنا من سعيد أن يبدأ بالقصة فقال:
ذات مرة ياشباب التقى صادق ببسام العص التقيا وراء تلة التبن وجلسا مختبئين ومتنكرين كي لا يلقطهم بقبق أبو صنة سقراط ضيعتنا فهو الذي دربهم وقد فاقاه كذبا" فانفلق منهم وحلف يمينا" على إهدار دمهما ودعا عليهم بالفناء والضياع في الهفا والفيافي كانا يشربان المتة ويقرقعان بالنرجيلة ويتسليان في الكذب مبارزة لم يفوز أحد منهما عندئذ فكر صادق أن يؤفلم على بسام فنجر له مقلب ودهى في عقله قائلا": يا مغضوب الوالدين أما زلت تبحث عن عروس ناعمة وحر زانة مالك غيرها وهذه مسكة شوارب
رد بسام بفضول:ومن هي
قال صادق: لو تراها لها عينان بقدر راحة الكف من دون مبالغة شعرها مسبوغ يسلب العقل وأبوها يتحملك إذا بتشّيل على ظهره شوال حنطة لم يضحك بسام لسخريته فهو في الأمور الجادة لا يضحك لرغيف السخن وقصدا بيت العروس سكينة أبو عيطة وتحت إصرار صادق دخلا البيت سكينة التي بدورها استقبلتهم بالترحاب وما كاد بسام يرى شكلها المبعجر حتى أسنده صادق قائلا": جنية طالعة من القبر لا تتراجع وألا لطشتك بيدها اللا طوشيه وبعدما استوت جلستهم لم يعرف بسام ماذا سيقول فقد انسطل بالمواصفات الجديدة وظل وجهه متجلدا" كأربعينية الشتاء
فأسعف صادق الموقف ولطف الجو بسؤاله الوحيد المخجل طوال الجلسة ( كيفك يا آنسة شلونك يا آنسة) ويضحك هه هه
كه كه كنوطة موسيقية وهي بالمقابل كانت ترد بالابتسامة وال هه هه إلا أن زيادة ال هه هه عن الحد الطبيعي مع
الآ نسات جعل سكينة أبو عيطة تستخدم المقصد الثاني من أسمها وتطردهم شر طردة" بعدما قدمت لهم موشحا" في الأخلاق طق فيه شرش الحياء وحينما أصبحا في متناول يد الشارع صار بسام ينوي كالقطط تحت الشباك أما صادق فقد أخذ الكلاب قدوة" وبدء بالجعير نكاية" بها ففتحت سكينة الشباك ورشقت عليهم الماء وصرخت بهم قائلة لاحقين تصيروا قطط وكلاب لا تستعجلوا وتعيدون أمجاد أجدادكم يا متسكعين يا عكاريت وقت ذاك قال بسام لصادق: الله يلعنك لعنة لا تحول ولا تذول عن راسك الأسود ما أقل ذوقك فعلا" أنت اكال هوى وعلاك لا تعرف هذه المجنونة وطوال القعدة
(شلونك يا آنسة ) وهي أرملة منذ عشرين عام قاطعه صادق قائلا:إذا لم تفهم قصدي ومغزى كلامي عن عين العروس وهي عين الحمارة وأبوها الحمار يتحملك
شعر بسام بالمهانة أمام هذه الألعوبة فشمر عن أكمامه كمصارع وهاش عليه كالدبور فهبشه من شواربه كالضبع
حاول صادق الهرب فتلعثم ولوى عنقه كالمحكومين بالإعدام نظر بسام خلفه فرأى نصف أولاد الضيعة ونظر صادق فرأى النصف الآخر وهجموا صارخين جوارح وبدأت هوشة حامية الوطيس ترتفع وتنخفض مع شدة فرقعة الطناجر والعصي يقول بسام: أنا أكال راس الضبع فيرد صادق أنا أكال لسان الحية ولم يحسم مها رشتهما سوى لدغة حية خرجت من حرش بيت بقبق أبو صنة فتوقف القتال وتباوس الطرفان وركضوا جميعا" بصادق إلى مرّوش ضرابة الإبر لم ترضى أن تضربه أبرة وحجتها في ذلك أن شهادتها لا تخولها ألا ضرب الحالات الميتة فلفوه ببطانية وإلى مشفى المدينة على عربة بقبق أبو صنة الذي رفض بالبدء إعطائهم إياها لولا تدخل سكينة أبو عيطة فالغالي يرخص لها فهو يحبها ويموت تحت قدميها كي تتزوجه فهي ترفضه كلما طلب ودها ومغازلتها قائلة": فرقنا واتركنا برائحتنا الطيبة كان صادق وهو على العربة يهلوس بكلمات المبارزة (لسان هيه كست حنطة وقضى صادق يومان في المشفى انزرب فيها في إحدى الغرف على حد قوله ومنذ تلك الحادثة لم يعد صادق يكذب وصار إنسانا" مستقيما" ينصح الناس ويشير لهم إلى طريق الصدق
ضحكنا ضحكا" محلجا وقال أبو ساكو المبهبط وأنت يا سعيد الجظ أبن أختك الطالع لك تاب متى ستتوب وضحكنا فانزعج سعيد وحوقل ولم نعد نراه إلا أنه فاجئنا قبل آخر الشهر حينما جاء مقطوع من الدخان وخرمان على سيكارة وحالما جلس كركر سلسلة ضحكات صاخبة وهو يردد عبارة جديدة
(أحمر محمر لك ع الدرب مقنبر لك ضربك ع سوتك قلل مرّوتك ) تلك العبارة أغاظتنا وظلت طي حيرتنا ولم نفهم سوى أن صادق دخل المشفى مرة ثانية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية