أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على خطى محمد .... شعار المرحلة .. بلال حسن التل


السير على خطى محمد يعني الثبات والصمود في معركة الأمة

الرسوم المسيئة للرسول نتاج ضعف الأمة وهوانها

المقاومة الشاملة هي احدى دروس النبوة المحمدية


تأتي ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام وسط أمواج من الشد والجذب بين أتباع محمد عليه السلام، وبين الغرب العنصري الحاقد على الإسلام ورسوله. وهو الحقد الذي تجسد مؤخراً بما صار يعرف بالرسوم المسيئة التي سبق وأن قلنا أنها يجب أن لا تفاجئنا، ومن ثم يجب أن لا نستغربها. ذلك أن هذه الرسوم هي انعكاس لثقافة متجذرة العداء للإسلام تحكم الغرب وتحدد مواقفه. وهو عداء قائم على عدم الاعتراف أساساً بالإسلام ديناً سماوياً ، وبمحمد رسولاً وبالقرآن كتاباً منزلاً، وهذا العداء القائم على عدم الاعتراف بالإسلام تم التعبير عنه عبر القرون بأشكالً مختلفة، ليس أخطرها الصراع المسلح الذي كان سمة العلاقة بين شاطئي المتوسط: شرقه، حيث وطن الإسلام وغالبية المسلمين، وغربه: حيث الغرب المعادي للإسلام الغازي لأرضه، سواء كان هذا الغزو أيام حروب الفرنجة في القرون الوسطى، أو أيام الاستعمار الحديث الذي اجتاح بلاد المسلمين مع مطالع القرن الماضي، مستغلاً غفلة سلطانهم وتفرق كلمتهم وعدم أخذهم بأسباب الحياة والانتصار التي يحثهم عليها دينهم، بالإضافة إلى ما وقع ما بين حروب الفرنجة والاستعمار الحديث من حروب بين المسلمين والغرب المعادي للإسلام، الساعي إلى استئصاله من الوجود منذ بداية البعثة الأولى لرسول الله عليه الصلاة والسلام. غير أن الغزو العسكري لبلاد المسلمين لم يكن أخطر مظاهر العداء الغربي للإسلام والمسلمين، فأخطر من الحروب العسكرية التي شنت علينا من الغرب سعي الغرب الحثيث لتشويه الإسلام ابتداء بالاستشراق وافتراءاته على الإسلام وقرآنه ونبيه، ومن ثم على المسلمين وثقافتهم وحضارتهم وصولاً إلى محاولة تشويه القرآن، وتزويره مروراً بإرغام بعض الأنظمة التي ارتبطت مؤخراً بذيل الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية على حذف بعض سور وآيات القرآن من المناهج الدراسية، بل ومنع تلاوتها وتفسيرها في المساجد.

إذن العداء الغربي للإسلام ولرسوله ليس جديداً، ولا محصوراً بالرسوم المسيئة، وهو بالنسبة لنا ليس مستغرباً، بل أنه متوقعً في ظل حالة الضعف والخور والهوان التي تعيشها الأمة وتغري أعداءها بالتطاول حتى على أقدس مقدساتها، فيحتلون مسرى رسولها ويسيئون لهذا الرسول الكريم، ويفرضون الوصاية حتى على مضامين مناهجها الدراسية وشعائرها التعبدية، لذلك فإننا ننظر إلى الرسوم المسيئة بأنها جاءت في سياقها الطبيعي، كجزء من العداء الغربي للإسلام ورسوله متساوقة مع المساق التاريخي للعلاقة بين الطرفين، لكن المستغرب هي ردة الفعل الباهتة على هذه الإساءة، والتي اقتصرت على مسيرة هنا و بيان هناك، ومقاطعة لهذه السلعة أو تلك من السلع التي تنتجها بعض الدول التي يسيء رعاياها لرسول الإسلام، في حين أن المقاطعة يجب أن تكون شاملة، وأولها المقاطعة الثقافية بأن لا نتمثل السلوك الغربي في حياتنا اليومية، وأن لا يكون الغرب الثقافي هو النموذج الذي نسعى إليه، لأن في ذلك سعيً منا إلى حتفنا، فالغرب يريد تذويبنا في ثقافته عبر العولمة التي هي في جوهرها ''الأمركة'' المعادية لوجودنا الحضاري على هذه الأرض، الساعية لاجتثاثنا منها، لحساب المشروع الصهيوني الذي هو الوجه الآخر للثقافة الغربية المعادية للإسلام والمسلمين المسيئة لرسولنا الكريم الذي نحيي هذه الأيام ذكرى مولده الشريف، ولذلك فإنها مناسبة لمراجعة آليات احتفالنا بالذكرى الشريفة، وإخراجها من إطارها التقليدي المقتصر على إلقاء كلمات مكررة عن عظمة الإسلام ورسوله، بأن نسعى إلى تحويل المناسبة إلى انطلاقة عمل حقيقي يكون فيه السير على خطى محمد شعار المرحلة ومنهجها، وبذلك فإننا نعيد الأشياء إلى نصابها الحقيقي؛ فالأصل بالمسلمين السير على خطى رسولهم وتجسيد التعاليم التي جاء بها.

ومثلما أن السير على خطى محمد عليه السلام هو عودة بالأشياء إلى طبيعتها، فإنه ضرورة من ضرورات المرحلة، التي صار فيها الصراع حول مسرى محمد ومعراجه في القدس الشريف جوهر الصراع القائم في المنطقة، وعنوان الهجمة الغربية المعاصرة على أمتنا، والتي تستهدف هدم أقصانا لإقامة هيكلهم، وهو أمر يوجب على كل منا أن يجعل القدس حاضرة في خاطره آناء الليل وأطراف النهار، وليدعو كل مسلم على نفسه بأن يُحرم من النوم إن نسي القدس مسرى محمد ومعراجه وقبلة المسلمين الأولى وثالث مساجدهم التي تشد إليها الرحال، كما أن السير على خطى محمد يعني أول ما يعني الصمود والثبات في معركة الأمة دون الاستسلام إلى ما صار يعرف ''بموازين القوى'' واختلالها، فلو استسلم رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن بعده خلفاؤه لنظرية موازين القوى لما صدع بأمر ربه ولما خرج المسلمون لمواجهة أعتى الإمبراطوريات في زمانهم وفي مقدمتها روما وفارس، فقد كان البون شاسعاً بين مقدرات المسلمين وإمكانيات هذه الإمبراطوريات، ومع ذلك هزمها المسلمون، فحركة الدعوات ومثلها حركة الأمم لا تقاس بالإمكانيات المادية على أهميتها، ولكنها تقاس بالإرادة وبالعقيدة القتالية للمقاتل، وعلى ذلك ربى محمد أصحابه، وبذلك أوصى أتباعه، مثلما رباهم وأوصاهم على أن لا يعطوا الدنية في دينهم أو دنياهم، أو أن يقبلوا الذلة فيهما، وهذه حقيقة كبرى يجب أن نستذكرها في ذكرى المولد النبوي الشريف، التي هي مناسبة لاستذكار معنى نبوته عليه السلام وفي طليعتها معنى المقاومة بمفهومها الشامل، فقد جاء الإسلام لإصلاح الخلل في حياة الناس رافضاً للظلم السياسي والاستغلال الاقتصادي حافظاً لكرامة الإنسان حامياً لحقوقه، وهذه معاني راسخة في الإسلام كلف أتباعه بها على مدار الزمان، حيث لا يجوز للمسلم أن يرضى بالاستبداد السياسي، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: سيد الشهداء حمزة و رجلً آخر قام إلى سلطان جائر، فنهاه فقتله، كما لا يجوز للمسلم أن يقبل بأن تحتل أرضه، لذلك أجمع فقهاء الأمة على أنه إذا ديس شبر من أرض المسلمين صار الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بل لقد أعلن رسول الله أن الجهاد ماض في أمته إلى يوم الدين، فكيف إذا كان المحتل أولى قبلتيها وثالث حرميها ومسرى رسولها ومعراجه؟....

ومثلما أوصى محمد أتباعه برفض الظلم السياسي والاستغلال الاقتصادي، فقد أوصاهم برفض الانحلال الأخلاقي، كيف لا وقد بعث عليه السلام ليتمم مكارم الأخلاق، لذلك فإن ذكرى ميلاده عليه السلام مناسبة لنؤشر من خلالها على حجم الخراب الأخلاقي الذي ينخر في جسد الأمة جراء تمثلها لثقافة الغرب بدلاً من تجسيدها لقيم رسولها عليه السلام، وليس عبثاً هذا الضخ الإعلامي الذي تشهده منطقتنا والذي يجعل من قيم العري والانحلال والتحلل من كل القيم مادته الأساسية، ويجعل من الربح المادي مهما كانت وسيلته محركاً أساسياً لكل نشاط، وهو أمر يتنافى مع تعاليم الإسلام الذي نحيي ذكرى ميلاد رسوله، الذي جعل الجشع والاحتكار من المحرمات وأوصى أمته بالتكافل والتراحم والتعاطف، فأين ما نشهده من غلاء في الأسعار يدخل في باب الربح الحرام، وما نشهده من احتكار، أين هذا كله من تعاليم الإسلام ورسوله الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ذلك أنه عليه السلام جاء ليرشدنا إلى سبل الحياة النبيلة العزيزة الكريمة المبنية على التراحم والتعاطف رافضاً الحياة المبنية على الظلامية والجشع والسلب والنهب مهما كان شكل هذا السلب، سواء عبر الحروب العسكرية أو عبر احتكار السلع وسلب ثروات الشعوب...

ذكرى المولد النبوي مناسبة لاستحضار القيم التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام لتجسيدها في حياتنا، وأهمها وحدة الأمة وقدرتها على مقاومة الظلم والاحتلال ورفض الذوبان في الآخر، لذلك فإن تمايز المسلمين ثقافة وحضارة من مكونات عقيدتهم التي نحتفي بذكرى مولد رسولها هذه الأيام.....

www.al-liwa.com

(98)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي