أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من صيدنايا إلى صيدا.. "الوحش" اللبناني يثأر من سجانه السوري بعد 19 عاما

مجسم لجزء من سجن صيدنايا

لم يصدق محمد، اللبناني المقيم في مدينة صيدا بجنوب لبنان عينيه. فقد رأى محمد الملقب بـ"الوحش" فجأة سجانه السابق الذي كان ينكل به في سجن صيدنايا، واقفا أمامه في هيئة "لاجئ" هرب إلى لبنان من الحرب في سوريا بلاده.

أتت الفرصة أخيرا لـ"الوحش" لكي ينتقم من حكمت السجان السوري المسؤول عن حماية أبواب سجن صيدنايا في سوريا.

تحول المكان حيث التقيا في أحد الشوارع الداخلية لمدينة صيدا في جنوب لبنان إلى ساحة عراك، حيث استطاع "الوحش" أن يباشر انتقاما حلم به طوال 19 سنة، فتصاعد الصراخ والسباب في المكان. أهل الحارة وأصحاب السيارات المتوقفة يتجمهرون في وسط الشارع، يشاهدون بترقب وحماس كيف ينتقم وحش الحارة من سجانه، بعد أن تلقى أسوأ أنواع التعذيب على يديه، خلال اعتقاله في صيدنايا لمدة سنتين.

يتدخل أحد الغرباء عن المنطقة ويقول لصديق الوحش: "بالله عليكم لماذا لا تتدخلون لفض العراك؟! سوف يقتلان بعضهما وأنتم تتفرجون؟! فيجيبه علي: لقد انتظر الوحش 19 عاما ليأخذ ثأره، دعه يلقنه درسا من العذاب".

يقصد محمد دكان صديقه "علي" الواقع في صيدا لشرب عصير يصنعه له بشكل خاص بعد إصابته بالسكري. ويروي علي لـ"الشرق الأوسط" لحظة رؤية محمد لسجانه في دكان العصير: كنا نتحدث وفجأة تسمرت عينا محمد على حكمت. وهو رجل سوري الجنسية، قدم أخيرا من سوريا بسبب اشتداد المعارك، واستأجر منزلا يقيم فيه وحده، دخل الدكان وألقى التحية، إلا أنه عند رؤيته لمحمد تغير لونه ففتح الباب وهرب مسرعا فلحقه محمد وبدأ العراك.

لقب محمد بـ"الوحش" بسبب انضمامه لصفوف التنظيمات الفلسطينية منذ الحادية عشرة من عمره، وفي عام 1980 التحق بصفوف حزب البعث العراقي. اقتيد إلى السجون الإسرائيلية حيث بقي لسنة ونصف السنة، ثم أطلق سراحه في عملية تبادل للأسرى. وبعد عودته تم اعتقاله مجددا وسجنه في سوريا.

يختم "علي" حديثه بعجلة فهو لا يريد أن يفوت شيئا من العراك "المنتظر"، يدير وجهه ويراقب "الوحش" كيف يضرب غير آبه لما قد يصيب حكمت من جروح خطيرة. صراخ محمد على خصمه يرافقه ضرب ودموع يئست من الحياة، يحدث سجانه بكلمات لا يفهمها إلا من عانى تجربة الاعتقال في السجون السورية، وأدوات القتل التي لا ترحم. «طقيتلي ضهري (كسرت ظهري) بالكرسي الألماني.. ما تركت دولاب ما حطيتني فيه".. يقول محمد منفعلا غاضبا، بينما لا يملك حكمت إلا أن يجيبه قائلا: "أنا عبد مأمور لا علاقة لي"، ويتوسله أن يخلي بسبيله.

بعد أن تعب من ضربه، ترك محمد سجانه "اللاجئ" إلى لبنان، ليجلس على رصيف الشارع يبكي على حياته التي ضاعت في أقبية السجون والتعذيب.

عيون الجميع تحدق بـ"محمد"، بينما ينادي علي، صاحب الدكان، عددا من الشبان لمساعدته على إدخال "الوحش" إلى دكانه، حيث يبدأ الأخير باستعادة شريط ذكريات مؤلمة. يلتقط أنفاسه تدريجيا ثم يرتشف العصير ليستذكر سنوات عذابه في السجون السورية: "عذبوني بطرق لا إنسانية، لأنني وقفت بوجه الوجود السوري في لبنان". يصمت قليلا وكأنه يريد أن يستجمع قواه للتحدث، ويروي قصته مع المخابرات السورية: "كنت عضوا في حزب البعث العراقي ودعمت حرب العراق ضد إيران. وعند عودة النفوذ السوري مجددا إلى لبنان في أوائل التسعينات، لم أتحمل الوضع فواجهت بكل الطرق، الغزو السوري لبلدي ولكن بالطرق السلمية.

ويتابع: في أحد الأيام فوجئت بمداهمة الاستخبارات اللبنانية منزلي واقتيادي أنا و11 شخصا إلى ثكنة محمد زغيب بصيدا. وفي صباح اليوم التالي سلمنا إلى فرع المخابرات السورية في دمشق للتحقيق معنا على خلفية اغتيال المعارض العراقي طالب السهيل التميمي المعروف بولائه لسوريا.

بعد التحقيقات، سجن محمد في سجن صيدنايا مدة سنتين، ولم ينس محمد لحظة رقم زنزانته، الزنزانة رقم 10، المعروف أن من يدخلها يعني أنه يدخل إلى "جهنم الحمراء"، على حد قول محمد، الذي يضيف: "طول الزنزانة ثلاثة أمتار ونصف المتر وعرضها ثلاثة أمتار، ويوجد فيها 58 شخصا".

ويتابع بأسى: "كنا نجلس القرفصاء، بحيث يحق لكل سجين بلاطة ونصف البلاطة من مساحة الزنزانة فقط. أصبنا بحالات جرب وامتصت دمي الحشرات".

شغل حكمت في تلك الفترة مهمة المسؤول عن حراسة زنزانة محمد ورفاقه. لم يسمح لهم بكتابة الرسائل ومكالمة أهلهم إلا مقابل المال، فكان سعر الزيارة 10 آلاف ليرة سورية، هذا إذا كان السجان بمزاج جيد، بحسب محمد، الذي يشير إلى أن حكمت كان مقامرا من الدرجة الأولى وكان متزوجا من امرأتين واحدة سورية والثانية لبنانية من إقليم الخروب.

يستعيد محمد محطات التعذيب: "كل ساعتين نستدعى إلى كرسي العذاب الألماني، وهو من أسوأ أدوات التعذيب التي تعرضت لها، كناية عن كرسي يلوى فيه العمود الفقري إلى الخلف فتشعر بألم لا يمكن وصفه أبدا".

وعن اعتقاله في إسرائيل، يقول: "لقد سجنت وعذبت أشد العذاب في إسرائيل لمدة سنة ونصف السنة، إلا أن العذاب الذي تلقيته في السجون السورية مضاعف مئات الأضعاف عن عذابي بسجون الصهاينة".

عاد محمد من سجن صيدنايا إلى لبنان "معطوبا"، ولا تزال مشاهد التعذيب والقتل ترافقه في نومه حتى اليوم رغم مرور 30 عاما عليها.

يروي محمد: لقد سلبوا مني حقي بالعيش في أمان، فأنا حتى اليوم ما زلت أحلم بالكوابيس وأشاهد نفسي معتقلا وأضرب وأعذب بالكرسي.

يدخل شاب عشريني الدكان ويقاطع حديث محمد صارخا: "لقد شاهدنا حكمت يهرب مع أغراضه بسيارة تكسي، إنه حقير فعلا". يجيبه محمد: "هو حقير، ولكن لا يزال هناك من هو أحقر منه بكثير يحرسون أبواب السجون في سوريا".


زمان الوصل - وكالات
(190)    هل أعجبتك المقالة (134)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي